أذكر أني في صغري تابعت أحد الرسوم المتحركة، وصدقا كل ما علق بذهني منها هي تلك اللعبة المسلية التي كان يجتمع حولها المارة، وحين شق الطفل البطل طريقه بين هامات الرجال الضخمة، وجد إبن عرس ضخم وهو يصارع أفعى الكوبرا التي لا تقل عنه ضخامة،
وعلى يساريهما قفصان مشرعة أبوابهما.
وإلتفاف الأفعى حول ابن عرس لم يخف هذا الأخير ، بل دافع عن نفسه بإلتواءاته الرشيقة وفكيه الحادين !
لا أستحضر الآن نهاية تلك المعركة ، التي جابهتها هذه الحيوانات بشراسة على مرأى وتصفيق الجمهور المراقب لسير الأحداث بشغف.
ولكن علمتني دراستي الجامعية أن لكل شيء معنى، حتى وإن كان إبرة ملقاة في كومة قش، أو فردة حذاء بالية إتخذت قرفصاء لوحة عظيمة محلا لها !
بل ربما نستطيع أن نفهم أنفسنا وما حولنا من خلال هذه الأشياء التي يستعملها الكتاب والفنانون عادة للدلالة على شيء أعظم وأشمل…
وتلك اللعبة التي إستهل بها موضوعي مساره، هي في النهاية صورة مجازية تحاكي أمورا مشابهة على أرض الواقع،
فكم من كوبرا وإبن عرس "بشريين" يتصارعان لأجل إرضاء أطراف خارجية أخرى ،
وقد يكون هذا الرضا بمقابل أو بلا مقابل -مع أن الخيار الثاني نادر الحدوث في أغلب الأحيان-.
بل حتى جمهور المتابعين لتلك المعركة ، لا يمكن أن يضطر أحد لإلقاء قطعة نقدية في قبعة صاحب العرض دون أن يكون المقابل "متعة المشاهدة" … أو إرضاءا لهوس ما إرتبط بأحد الأطراف المتصارعة.
والواقع لا يختلف كثيرا عن مثلث "الدفع، المتابعة و المتعة"
والبشر بالنهاية هم أبرز مثال لصراع البقاء ،
وبات البقاء للأقوى ولا شك ، للذي يمتلك الأنياب الأكبر والأشرس ،
بل حتى ولاء "جمهور المؤيدين" هنا له دور معنوي يغذي فطرة الأمل والصمود في قلب كل إنسان.
تناول المفكر الإيطالي نيكولو ميكيافيلي هذا الولاء في طبق ملكي ،
حيث وجه لأمير إيطاليا التي كانت تعاني من الإنقسام، كتابا يحمل جل النصائح السياسية للقائد المحنك،
ومن بين هذه النصائح، كان أبرزها هو كسب ولاء النسبة العظيمة من الشعب لان هذا الولاء لا يمكن أن يفتتن بالخداع في حال تم تهديد منصبه، لان الجميع سيقف بجانبه ويسانده،
ونصيحة أخرى لا يمكن أيضا أن أنساها ، حين قال له "كن مهابا ولا تكن محبوبا"
فخوف الشعب منه سيجعلهم غير قادرين على سحب البساط من تحته حين تواجهه أي تهديدات خارجية،
أما الحب فهو عاطفة تزول بسرعة ، ويتم نسيانها مع الأيام.
وإني اكاد أرى هذا الأمر مترجما على أرض الواقع،
في مجتمعنا،
في علاقات البشر ببعضهم البعض ،
فالمهاب يظل دائما مزروعا في القمة حتى وإن كان مكروها…!
هي فلسفة تناقض بعض المبادىء الإنسانية،
ولكن فلنكن واقعيين ولو قليلا ،
هل لازال لتلك المبادىء أثر الآن؟ 🙂
كتبته بتاريخ