بناء الذات
اذا كنت تنظر إلى ذاتك .. على أساس أنها مؤسسة تعجن بين كوامن القوة وكمائن الضعف .. إذا كنت تنظر إلى حياتك كونها مشروعا يبحث عن مكان بين الفرص و المخاطر إذا كنت تعتبر نفسك القائد و المدير .. المسير و المسؤول عنها هناك .. و هناك فقط أذن لك أن تجتاز اختبار النجاح من معجزة الخلق .. أن وهب الخالق للإنسان عينين يرى بهما العالم بآسره .. سوى رؤية نفسه .
فالإنسان هو المخلوق الوحيد الذي ينام على ظهره .. ليتعلم كيف يتأمل سماء صافية يلاحق بناظره أشكال السحب العالية وبريق النجوم المبتعدة بعيدا في الكون الفسيح ولكنه للأسف كان يعجز عن رؤية أقرب أقرب ما يكون إليه من حبل الوريد .. الذات أنت لا ترى ذاتك .. حيث سريرتك تنحت سلوكات السيرة و مقاصد المسيرة .. أنت تنسى الكثيرة من ذكرياتك .. أنت لا ترى عيوبك .. أنت لا تعرف أحيانا ما الذي ينقصك .. لما هي الحياة تسير على مالا يبتغيه المرء فلا يدركه .. لا هي الأمنيات تتجلى و لا هي الأهداف تتحقق .. و الزمن يسير .. أسرع عداء في التاريخ هو العمر .. وفي آخر سنة من مدرسة الحياة ننتظر الاختبار الأخير .. و لكن الحياة فروض فجائية و في أي وقت يمكن أن تسحب منك ورقة الإجابة .. إجابة نعرفها قبل السؤال ولكن لا نعرف كيف نروض الاستجابة . أنت تحتاج إلى مرآة ترى فيها نفسك ولكنها ليست من أي أحد .. أنت تمشي في الطريق أو في الحياة .. لا يهم فأنت تمارس حياتك اليومية .. ستسمع أقوالا عنك من هنا وهناك .. كلمات تسعى إلى أذنيك ومنها ما يتسلل إليك .. على شكل نصيحة .. عظة .. و أخرى يحيكها مغتاب و يجيء بها نمام .. أقوال لا تعرف أأنت تستحقها .. أم أنت تنكرها أصلا
إذا قال لك أحدهم أنت ناقص .. أنت مخطئ .. قد تقول ” هو يغار” و قد تقول ” هو لا يعرفني ولا يعرف عن حياتي .. ولا عن ظروفي ”
إذا مدحك أحدهم و أثنى عليك .. فقد تقول ”إنه يراني فقط بعين المحب .. والحب اعمي وإن صدق ”
ولكن إن كان الحب أعمى والغيرة خبط عشواء و الحسد مفقوء العين .. فاعلم أن كل هؤلاء يبصرونك حيث لا ترى نفسك .. ويعلمون عنك جانبا لا تعلمه عن ذاتك .. ويستعملون أشياء تخصك أكثر مما تستخدمها أنت .. ولكن كيف ؟
يألفون ملامح وجهك و لا تألفها .. يميزون لون ضحكتك و تغير مزاجك .. بل و يقرأون ما تبديه العيون وإن كذب اللسان الذي هو ترجمان القلب -وللترجمة كما تعلمون عيوبها- لا تكذب العيون وهي نافذة الروح وكيف تكذب العيون و النوافذ من زجاج سميح .. إنها لغة الجسد .. فكيف تقرأها و هي صادرة عنك؟.
لغة الجسد لا تختصر في الإيماءات والوضعيات بل هي أشمل .. حالة الجسد .. صحته .. حالة الاتصال .. قوته .. وضوحه .. عدم انفصامه وازدواجيته بين قول وفعل يعاكسه .. إنه الاتصال الذي إن كملت مراحله .. نضجت شخصية صاحبها و توازنت .. و أنعم على صاحبها بالأمن الداخلي و راحة البال .. و إن اختل هذا الاتصال و لم يكتمل .. حل الوبال بالقلق و العصابات تارة .. وبالهروب و التيه داخل الذات تارة أخرى .. لذلك وجب على كل فرد أن يقي نفسه و أهله والأقربين منه نار البعاد و ظلم قطع الصلة .. وأن يلزم البحث عن حالة الوعي والتيقظ والحصول على التوازن بين الداخل و الخارج .. بين الذات و المحيط .. بين الاتصال مع أنفسنا والتواصل مع من يعيشون معنا ..
نعم هو كذلك و لكن كيف يتم ذلك ؟
و لكي يترصد الواحد منا لغته الحبيسة في الجسد ثم تشفرها و تشرحها له وجب عليه أن يقتني مرآة ناطقة تحدثه عن باطنه ..تفتح أقفال صندوق محكم الإغلاق و تطلق العنان للعملاق النائم الذي يسكنه بإيقاظ الموهبة ..حاجة الناس و المجتمع لهكذا مرآة .. حاجة الناس لمن يقدر على أن يصف أحوالهم دون زيادة ولا نقصان .. حاجة كل واحد منا لمكيال دقيق نزن فيه قدراتنا و أعمالنا .. الحاجة لناقد موضوعي يعرف معادن الذهب و أحجار الجوهر هو ما ولد مفهوم المرافق ومهنة المدرب الشخصي .. إنه مستشار بناء الذات انطلاقا من الموارد و المواد الداخلية كما تبنى البيوت من الطين و جذوع الأشجار .. وقبل البدء في البناء يبدأ المرافق بمعرفة الأرض ومدى استقرارها .. وما تحتها من ثروات وطاقة ..
ثم معها يعلي سرح شخصية قوية وقصة نجاح متفردة .. فإن كان وراء كل رجل عظيم امرأة .. فوراء كل مشروع ناجح مدرب مرافق ناجح .. سواء كان المشروع مؤسسة اقتصادية أو فرقة عمل أو شخصية تواقة للتميز و القيادة .. فالمرافقة منهجية للتغيير .. طبعا نحو الأحسن .
– التدريب الشخصي ما هو ؟
تعرفه الجمعية الفرنسية للتدريب الشخصي بمرافقة الشخص انطلاقا من احتياجاته المهنية من أجل تطوير قدراته الكامنة و مهاراته العملية
و هو ينطق من ثلاث اتجاهات :
1 الإنسان كائن ناقص في البحث عن الكمال .. مخلوق ضعيف و التدريب طرقه إلى القوة .. و لكن من يكتشف الفجوة بين النقص والكمال و الهوة بين الضعف و القوة .. فكل بناء لا تسد فيه الفراغات مهدد بالانهيار .. البحث أساس متين و قاعدة ارتكاز قوية
2 خياطك يعرف مقاساتك الجسدية أحسن منك .. كذلك هو مدربك الشخصي يعرف قدراتك و استعداداتك و خبير في قياسها
3 كل تقنيات تسيير الذات وإدارة التغيير و أدوات التنمية البشرية مسموحة في رحلة المرافقة
( أدوات التدريب الشخصي )
ومن أدواته : – البرمجة اللغوية العصبية – البرمجة العقلية العليا المرتكزة على المعتقدات – إدارة الوقت … الخ
ترتكز المرافقة الرفيعة على رجلي : الدعوة إلى غد أفضل و تربية العطاء و التفتح والمبادرة في العلاقات والمرافقة منهجية فيها تسلسل 05 مراحل: تعاقد بالتغيير .. ففهم للمشكلة .. فتحديد للهدف .. ثم تفعيل للقوى والقدرات والمصادر الداخلية .. ثم إدارة مشروع التغيير إدارة راشدة يتزاوج فيها الإتقان و الجمال في جو من تجويد البناء بناء الذات.
وكل ذلك لا يعدو كونه عملية توليد و إخراج الثروات الباطنية نحو الخراج ..
هذه الثروات التي تتلخص في 03 مفاهيم:
1 تقدير الذات: وهي حسن العلاقة بين الذات و الذات .. و فهم احتياجاتها .. وإدراك ما تريده و ما لا تريده.
2 توكيد الذات: و هي جودة العلاقة مع الآخر .. فالعلاقة مع الناس وطيبتي وأخلاقي لا يجب أن تثنيني عن طلب حقوق الحياة، ومنها الحق في الخطأ وحق التوبة بعد الخطأ والحق الاعتذار وقول لا عند عدم القدرة على تلبية حاجات الآخرين .
3 الثقة في الذات: وهي قوة العلاقة مع المحيط و القدرة على تسخير العالم الخارجي لتحقيق الأهداف الشخصية
وسبحان من جعل الكنوز باطنة و جعل باطن كل شيء مستقره ومستودعه .. الجذور وشجره .. وتد الجبل و قمته ..
النفط في الصحراء … و آيات أخرى.
سلمت يداك
ولا عدمنا مواضيعك الراقية
دمت بخير
لك تحياتي