كخه يا بابا " بقلم عبدالله المغلوث في سيـئول يسألك الكوري عن عمرك قبل اسمك
في لقائكما الأول ! لكي يتحدث معك بلغة تليق بسنك.
وفي القاهرة يسألك المصري عن مهنتك !
حتى يناديك بـ (الباش مهندس) أو (البيه). أما في الرياض فيسألك ابن جلدتك عن أصلك وفصلك
ليدعو القبيلة بأسرها لتجلس القرفصاء معكما.
*
في أحد المطارات الداخلية سألني شاب صغير
لا يتجاوز عمره 17 عاما ونحن في الطابور الأخير
قبل استقلال الطائرة عن اسمي .
فأجبته بسرعة وحبور لكنه لم يبلع إجابتي المقتضبة.
رد بامتعاض: ‘ماذا أفعل باسمك الأول؟ ماعائلتك؟’.
حينما ناولته اسم عائلتي لم يعد إلي إلا بعد أن استنفد
كل الأسماء التي تقبع في ذاكرته وتحمل نفس اسمي الأخير.
وفيما كنت أستوي على مقعدي في الطائره إذا به يضع يده
على كتفي ويقول لي بعطش :
" نسيت أن أسألك أنت من أين؟ إلى أي قبيلة تنتمي؟ "*
هذا الحوار الذي عشته قبل عامين إجتاحني مجددا
قبل أسابيع قليلة عندما التقيت طبيب أسنان مصريا وابنته
) في أحد المجمعات التجارية في الخبر.
أنفقت مع الدكتور عماد نحو نصف ساعة كاملة
حافله بالإثارة بسبب أسئلة ابنته الذكية.
فقد حبستني منى في أسئلة لم أخرج منها إلا حينما
حان موعد الصلاة.
سألتني إذا كنت متزوجا أم لا.
وأين طفلتي
ولماذا لا أحملها على كتفي أو أدفع عربتها في هذه الأثناء.
وعبرت عن امتعاضها لعدم وجود دبلة الزواج في خنصري.
أبوها لم ينبس ببنت شفة طوال إستجواب إبنته لي
مكتفي بابتسامة هائلة يرسمها على وجهه كلما شعر أنني تورطت أو غرقت في أحد أسئلتها العميقة.
الحوار المثير الذي جمعني مع منى دفعني لسؤال أبيها
عن سر هذا التدفق والحيوية واللياقة التي يتمتع بها لسانها
مقارنة ببعض ألسنة أبنائنا الذين في سنها أو حتى في سني!
الدكتور عماد لخص إجابته على استفساري بقوله :
" إنه وزوجته لا يقاطعانها إذا تكلمت.
يتحدثان معها كأنها ابنة العشرين.
ينتظرانها حتى تنتهي ثم يصوبان أخطاءها "مما جعلها تتحدث بطلاقة لا تتوافر في أطفالنا !
الذين نتلو على آذانهم ‘كخه يا بابا’، و’أح ياماما’ حتى ينبت الشعر في شواربهم.
هذه العبارات التي ترافق أطفالنا سنوات طويلة
جعلت الكثيرين منهم لا يجيدون الحديث وارتكاب الأسئلة.
تبدو جملهم ناقصة وكأن أرتالا من الفئران الشرهة
انقضت عليها بأسنانها الحادة.
في حين تبدو جمل الأطفال المصريين وغيرهم
أكثر دهشة وانشراحا.
البدايات المتعثرة لا تقلص حظوظ فرق كرة القدم في الفوز بالدوري فحسب
بل تقلص حظوظ الوالدين بالفوز بابن أو ابنة يجيدان الحديث.
تزخر جمل اللبنانيين بعبارات مثل:
‘إزا بدك’ و ‘إزا حبيت’. في المقابل تبدو جملنا منزوعة الألوان كمنزل فسيح بلا نوافذ.
دائما أقف مذهولا أمام العبارات التي يغرسها
السوريون واللبنانيون والمصريون في أحاديثهم
التي يلقونها على مسامعنا
في الشارع، والدكاكين، والتلفزيون، متسائلا:
لماذا لا نزرع عبارات مثلها بسخاء في لغتنا وحواراتنا.
لماذا نقتصد ونتقشف في تعابيرنا؟
طرق التربية الارتجالية المبكرة التي تمارس في أغلب منازلنا
أنجبت مآسي تقفز من أفواهنا كلما تحدث أحدنا أو سأل .
فلا نعرف كيف نبدأ الحوار وكيف ننهيه.
يجب أن يدرك أبناؤنا كيف يتحدثون وكيف يسألون.
هناك أسئلة كثيرة تكرس الطائفية والقبلية والتمييز
علينا أن نطردها ونقمعها ونصادرها.
أنا لست حانقا من الشاب(طيب الذكر أعلاه)
الذي قبض علي في الطائرة بسؤاله
لكنني حانق على أمه و أبيه
لأنهما أودعا في أذنه ‘كخه’ و ‘عيب’ و ‘أح’ مبكرا
متناسين أنها مفردات لا تشيد لسانا لا تشيد سؤالا
بل تشيد حزنا أطول من ‘برج المملكة’!
تمت بحمد الله المقاله
أعجبني كثيرا ما نقلتية
ودي
والله يعافيك
لآهنتي خيتو ع الطرح العطر ‘
تقبلي مروري
دمتي بخير ‘
اعجبني الموضوع
يسلمو ي الغالية ,