تخطى إلى المحتوى

رواية كامله 2024

  • بواسطة

الجيريا

كلمة الكاتبه :
في البداية أحيي الجميع ؛ وأشكر كل من تابع قصتي (سخرية القدر )؛ وأدعوكم لمتابعة قصتي الجديدة (دموع الحقيقة ) والتي تختلف كليا عن سابقتها من حيث الأسلوب والفكرة والأحداث التي تدور في احدى الدول العربية. لن أطيل عليكم؛ حتى تحكموا بأنفسكم؛ شكرا مرة ثانية…

(آه !! هاقد أتى شيخ القبيلة فاستفتوه ما شئتم..) تعالت الضحكات الرجالية المتصابية على التعليق الذي أطلقه جاسم بصوت مرتفع ماجن؛ تابع حديثه متشجعا بعد ان تأكد انه في موقع مرحب به بالمجلس نتيجة لخفة دمه التي غلبا ما يستغلها لصالح أعماله الشريرة قائلا بعد ان لمح علامات الضيق تعلو وجه أخيه الذي اتخذ له مجلسا شبه ناءي بعد ان ألقى السلام(قلي عباس؛ ما رأيك بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر؟؟) تبادل الحاظرون الهمسات واللفتات وقد فهموا مغزى السؤال المبني على مناقشة مثيرة سابقة قاطعها عباس بدخوله. رمقه بنظرة متفحصة ليستشف أسباب طرح هذا السؤال الغريب؛ والذي تزداد غرابته لكون ملقيه هو أخوه الأصغر جاسم الذي كان يصده بعنف كلما حاول نصحه وارشاده ؛ على كل حال؛ مهما تكن دوافعه فهو لن يخسر شيئا اذا أبدى رأيه بصدق؛ وقال بصوت ملي بالثقة والاعتزاز بالنفس (ان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الواجبات المحتمة والمهمة لكل مؤمن وان كان أدائها لا يفرض بصورة عينية ؛ فهو من الأخلاق الضرورية التي يجب ان يتصف بها كل فرد لتقوية دينه والمحافظة على…) قاطعه جاسم بشكل مفاجى وقد علت وجهه الأسمر ابتسامة خبيثة (نعم؛نعم؛ المحافظة على العادات والتقاليد؛ أليس كذلك؟!) حدجه عباس بنظرة حذرة وهو يضيف(والقوانين الشرعية أيظا) تمتم جاسم بعدم اكتراث ( نعم؛نعم؛ هذا صحيح..) قاطعه عباسبنفاذ صبر؛ فهو ليس من النوع الذي يحب الدخول في دوائر مغلقة (هل لك أن تخبرني عن سبب سؤالك؟) ..( طبعا؛طبعا من حقك أن تعرف سبب سؤالي) وأطرق هنيئة ليتدبر بعض الكلمات المنمقة حتى لا يحرجه أخوه الأكبر كالعادة؛ وقال بعدها بحذر وتردد قصير (هناك فتاة ساقطة الكل يتحدث عنها ؛ وأنا ورفاقي رأينا ان من واجبنا….) قاطعه قبل أن يكمل وشرار الغضب يتطاير من عينيه؛ وقال في حدة مستعتبا (أولا.. دعنا نناقش كلمة ساقطة والتي أدليت بها جزافا ودونما أدنى دليل سوى ثرثرات فارغة ثلاثة الأرباع منها كذب وافتراء على بنات الناس) احتج جاسم بلهجة محتدة لا يملك سواها للحفاظ على مكانته أمام الحظور (بل انها حقيقة مائة في المائة ؛ والدليل موجود) تطلع عباس بامعان في عيني أخيه العسلية والتي تختلف كليا عن عينيه من جهة واحدة؛ وهي طبيعة النظرات التي تخرج منها . فكر عباس: لما لا يصبح جاسم مثله رغم الشبه الكبير بينهما شكليا والذي يجعل حتى والدتهما تصاب ببعض الالتباس بعض الاحيان ؟؟!! لماذا اتخذ له طريقا مغايرا لن يجلب له بالنهاية سوى الدمار ؟؟ ألا يكفي كونهما توأمين لكي يفكرا بنفس الطريقة و يتطلعا الى الحياة من ذات الاتجاه؟؟؟؟ لا ؛ يبدو له بوضوح في هذه اللحظات ان ذلك لا يكفي البتة!! قاطع جاسم أفكاره وقد اعتقد ان صمته المفاجى ما هو الا استسلام(أتعرف ان جميع من في القرية ليس لهم حديث سوى هذه الفتاة ؟ انها تعلن غرامها لكل طيف تراه من بعيد وقد ارتدى بنطلون جينز وسترة مقلمة!!) انفجر رفاقه ضحكا على تعليقه ؛ لدرجة ان دموع بعضهم قد سقطت من شدة التوتر ؛ ما عدا عباس ؛ فقد ظل واجما ؛ وقام بجمع شتات نفسه ليقف بمقابلة أخيه المستهتر وقد نضخت عيناه العسلية بغضب قاتل؛ وبغمرة اندهاش الجميع؛ صفعه صفعة قوية احمر لها وجهه واكفهر؛ وغادر المجلس بعدها ؛ وقد تبعته شتائم أخيه وتهديداته وقد تملكه الغضب بشدة (سترى؛ سأحطم وجهك؛ وسألوث سمعتك باشاعات ستقرر الانتحار على سماعها من شفاه الناس؛ أعدك!!)
اندفع عباس يطوي الارصفة طيا وقد قادته قدماه الى الامكان . حاول أن يسترخي ويريح أعصابه المشدودة ؛ فاندفعت كلمات أخيه الى مخيلته كشريط مسجل؛ وأكثر ما استرعى انتباهه هي كلمة اشاعات. نعم؛ جاسم ليس الا مروجا للأشاعات لا أكثر ولا أقل؛ ان لم يكن هو مطلقها؛ وأغلب الضن بان ما قاله عن تلك الفتاة ليس الا ثرثرات وجدت طريقها للتحريف والتضخيم؛ ولكن؟؟ هل تأتي النار بدون دخان ؟؟ يا ترى ما الذي فعلته تلك الفتاة لتستحق هذه النعوت الظالمة والمتهمة لها بشرفها وأخلاقها ؟! يال الفتاة المسكينة!!! قادته رجلاه أخيرا الى احدى المطاعم الصغيرة المركونة على جانب من الطريق؛ والتي يتهافت عليها أفلاد القرية رجالا ونساء ؛ رغم ما تتناقله الاخبار من عدم نظافة المكان. ابتسم عباس وأطلق كلمة ساخرة بقرارة نفسه وهو يتوقف عند المدخل( كلها اشاعات !!).. وألقى السلام على العامل الهندي الذي يسرع في أداء عمله بمهارة معتادة وألقى اليه ببعض الفكة المتبقية في جيبه وأخبره عن طلبه ؛ وعندما لاحظ مقدم مجموعة من الفتيات؛ تنحى جانبا بمنتهى السرعة ؛ وأطرق برأسه حياءا وخجلا. كان هناك موضوع مثير يناقشنه لدرجة ان اصواتهن كانت تصل اليه بشكل غير متعمد. حاول التجاهل؛ غير ان كلمة ساقطة قد جذبته بذهول باتجاه المتحدثة ( كيف تسمحن لأنفسكن بقول مثل هذه الكلمات البذيئة الشائنة دون ادنى دليل؟! وهل يحتاج الأمر الى دليل حقا ؟! ألم تكن جنان زميلتكن وصديقتكن أنتن أيظا؟! أتحتجن الى من يؤكد لكن انها طاهرة شريفة ؟؟ ياللعجب !! هذه القرية وكأنها دائرة استخبارات ؛ يراقبن الفتاة بكل خطوة عسى ان يمسكن عليها ثغرة ما…) تدافعت الأفكار برأس عباس بقوة ؛ ولم يستطع التهام سندويشاته !! أيعقل ان من يتحدثون عنها هي نفسها التي تحدث عنها جاسم منذ قليل؟؟ ولما لا؟؟؟ فعادة أبناء القرية ان لا يتركوا موضوعا لأجل موضوع آخر؛ الا اذا صار الموضوع الأول قديما وبطي النسيان؛ وهو لا يعتقد ان موضوع الفتاة المدعوة جنان موضوع قديم؛ فعلى ما يبدو هو موضوع الساعة بالقرية قبل ان تظهر ضحية جديدة!!! تنهد تنهيدة عميقة متألمة؛ ان وضع القرية خطير جدا ؛ فأبنائها لم يعد لديهم شاغل سوى تبادل الاشاعات وتناقلها ؛ وأصبحت الأمور الدينية موضة قديمة بالنسبة اليهم !! ان هذا الوضع لا يسكت عليه.._ هكذا قال عباس_ وهو يدخل المنزل متجاهلا موقع مجلس الرجال بشكل متعمد. نعم؛ لن ييأس؛ وستكون قصة جنان المحطة التي سيعبر من خلالها الى أفئدة الناس وعقولهم…. أيقظته والدته أم عباس من أفكاره وهي تضع أطباق العشاء بمقابلته وتسأله بالحاح (عباس يا بني؛ اذهب واستدع أخاك من المجلس؛ لقد جهز العشاء) حاول كتم غيظه جيدا وهو يتمتم قائما بتثاقل (حاظر أمي )…………….

في صباح اليوم التالي؛ استيقظ "عباس" على صوت المنبه .. تطلع الى الساعة وهو يفرك عينيه حتى يرى بوضوح؛ ونهض على الفور عندما تأكد انها الثامنة والنصف. لقد تذكر أن عليه تتمة المقال الأسبوعي الذي يرسله لأحدى المجلات التي خصصت له بابا كل أربعاء عندما أدركت مواهبه المدفونة. لقد كانت الطريقة الوحيدة للتعبير عن آراءه ؛ وكذلك التنفيس عن هوايته التي لم يكتب لها أن ترى النور لعدم متابعته لدراسته الجامعية بسبب ظروفه المادية . وأعاد قراءة المقال من البداية بهدف تنشيط ذاكرته؛ ولكنه بدلا من أن يمسك القلم ليكتب؛ أمسكه وألغى كل ما دونه بعلامة (اكس) كبيرة؛ وألقى بالأوراق بسلة القمامة المجاورة وهو يبتسم بتصميم..نعم_هكذا فكر "عباس"_ قضية مهمة كغفلة الناس لا يمكن اهمالها لأجل مشاكل المواطن المادية؛ فالأخلاق وفقرها أهم بكثير!! واندفع يكتب بمنتهى الحماس عن قصة "جنان" ولكن بأسماء مختلفة؛ ولم يعي لمرور الوقت؛ الا حين تناهى الى مسمعه صوت أمه وطرقاتها على الباب.. تطلع الى الساعة بفزع؛ لقد تجاوزت الحادية عشر وهو لم يغادر متوجها الى الورشة!! ونهض بعجلة وهو يجيب على استفسارات والدته ( بلى سأذهب يا أمي؛ ولكنني انشغلت قليلا) وصل اليه صوتها المتهكم قائلة بعتاب رقيق ( لا بد انك انشغلت بخط تلك المقالات ؛ أليس كذلك؟ انك تتعب عينيك لأجل لا شي يا "عباس"؛ انها تظرك فقط؛ والدليل أمامك؛ فقد تأخرت عن عملك!!) حاول جاهدا بأن لا يسمح لكلمات أمه باخماد معنوياته؛ مقنعا نفسه بأن كلمة الحق جزاءها عند الاله الكريم الذي لا يبخل؛ وغادر بعدها ودعوات أمه المحبة تلاحقه قبل ان تذهب للمجلس بهدف ايقاظ أخاه التوأم ؛ والذي غالبا ما ينام هناك بعد قضاء السهرة مع أصدقاءه الخاملين الكسالى… وجد "عباس" ان الذهاب للورشة ان يفيده شيئا الأن ؛ فقرر اعطاء نفسه اجازة لهذا اليوم _ يوم الجمعة_ والذي غالبا ما يكون اجازة لرفيقه الحميم "حسين" ؛ والذي يعمل برفقته بالورشة التي خلفها له والده رحمه الله. آن له أن يتحرى بصورة مكثثة عن بطلته "جنان" كي يستطيع دعم قضيتها بأدلة واقعية ملموسة.. ولكن؟؟ كيف بمكنه الوصول اليها؟؟ هذه أمرها سهل ؛ ف "حسين " لديه أخوات قد تعرف احداهن بعض المعلومات الهامة لهذه القضية التي اجتاحت كل منزل بالقرية الصغيرة.. وبعد ان لملم شتات نفسه؛ طرق على باب منزل صديقه ؛ فتفاجى بظهور احدى أخواته على استحياء؛ وسألت (من؟؟) سألها بأدب من وراء الباب ( هل "حسين" موجود؟) ..( لا؛ لقد ذهب الى السو…) وقبل أن تتم عبارتها؛ كان صوت "أم حسين" المعروف لديه يصرخ فيها بعنف وقسوة مبالغ فيها ( أنت يا "جهنم" !! من بالباب؟!) أجابت بلهجة يائسة وكأنها تعودت الأمر( انه رجل يسأل عن "حسين" ) صرخت فيها بقوة أكبر وهي تقول آمرة (اخبريه انه ليس هنا وتعالي؛ كفاك تباطؤا !!) أسرعت الفتاة في غلق الباب والرجوع الى الداخل بخوف غريب؛ بينما انصرف "عباس" وهو ذاهل لا يصدق ما يحدث له. كلمة "جهنم" استحوذت على تفكيره؛ أليست هذه الكلمة هي مضاد كلمة "الجنة".. أو نعم ؛ نعم.. انها مضاد كلمة "جنان" بالتحديد.. الفتاة التي بادلته ذلك الحديث القصير من وراء الباب ما هي الا بطلة قصته المتسلسلة "جنان" !!! ياله من أمر غريب؛ فالأحداث تأتي تباعا وبسرعة لا تصدق؛ والأغرب من هذا كله انها أخت صديقه "حسين"!!! ان أكثر ما يحيره هو الأدب الجم الذي لمسه من قبل الفتاة ؛ وموقف أمها وتشددها هو الدليل الأكبر ان ما يقال لا يتعدى كونه اشاعة؛ فهو يعرف "أم حسين" جيدا؛ ولو انها ليست واثقة بابنتها لطردتها من البيت على الفور. هناك أمور كثيرة لا تزال تحت ظلال الغموض؛ ويتطلب الكشف عنها بعض الصبر والروية. هكذا أكد "عباس" لنفسه وهو يعود لمنزله الصغير المتواضع ليواصل الكتابة بقصة أضحت بالنسبة اليه ليست قصة عادية أو عابرة. ان أكثر ما أسعد "عباس" في المساء ؛ هو زيارة "حسين" له. انتهز الفرصة ودعاه اتناول العشاء؛ وفعلا؛ ضمتهما غرفته الصغيرة؛ واحتل "حسين" طرف السرير؛ بينما جلس "عباس" على كرسيه الخشبي الذي أعده بنفسه. لم تسمح له شجاعته بالبداية بفتح الموضوع الذي يشغل تفكيره؛ فانتظر حتى انتهائهما من تناول عشاءهما؛ وتمتم وهو بتوجه لحمام الغرفة ليغسل يديه ( لم تخبرني؛ ماذا أحظرت لي من السوق؟!) … ( وما أدراك انني ذهبت للسوق؟؟) …( أعطيت نفسي اجازة ومررت لأراك؛ فأخبرتني أختك انك في السوق) تمتم "حسين" وقد تصبغ وجهه خجلا بشكل مفاجى ("جنان" الوحيدة التي أخبرتها بوجهتي) استغل "عباس" الفرصة ؛ فقال كمن تذكر أمرا ( نعم؛ نعم؛ أعتقد انني سمعت أمك وهي تناديها ب "جهنم" ؛ فخمنت انها تقصد مضاد الكلمة..) وقبل أن بتفوه "حسين" بأية كلمة؛ غادر "عباس" الحمام وشارك رفيقه الجلوس؛ وراح يربت على قدمه بمنتهى المحبة ( انني أعلم بكل شي؛ كان يجب عليك اخباري) تسمر "حسين" لا يدري ما يقول؛ فتابع "عباس" بلهجة مليئة بالصدق والثقة ( أنا أول من يصدقك ان قلت ان ما سمعته كذب) وعلى ما يبدو فقد تشجع "حسين" لكلمات رفيقه وارتاح لها ؛ فعبر عن وجهة نظره بكل شجاعة ( أؤكد لك يا "عباس" ان ما يقال عن أختي ليس الا كذب وافتراء؛ انني لا أعلم ما القصة بالضبط؛ انها متكتمة ولا تريد الافصاح عن ما حدث لتنتشر كل هذه الشائعات وبهذه السرعة ) هون "عباس" عليه وهو يقول برقة (لا عليك؛ كل شي سيكون على ما يرام؛ أؤكد لك) …………….
روايه جميله
يعطيك العافيه عبير
متابعينك ان شاءالله

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة *مزون شمر*

روايه جميله
يعطيك العافيه عبير
متابعينك ان شاءالله

الله يعافيك
مشكوره عالمتابعه
نورتي متصفحي

دمتي بود و بحفظ الرحمن

اتخذت قصة "جنان" بعد الحوار الأخير بينه وبين صديقه الحميم منحنا أكثر أهمية بالنسبة اليه؛ فهو الآن يحارب عن شرف أخت رفيقه الذي وقف بجانبه بأحلك لحظات حياته ؛ وقدم له العون الذي يحتاجه بمختلف الظروف والمناسبات ؛ وآن له الآن أن يرد الجميل ولو بالنزر اليسير… اضطرمت الأفكار في مخيلته وهو يتناول وجبة غذاءه برفقة والدته وشقيقه الذي لا يراه الا بأوقات تناول الوجبات؛ وراح يحدد الكلمات التي سيستخدمها في مقاله الجديد ؛ ويزن مدى تأثيرها ومدى وقعها على القراء؛ حتى قاطعته والدته بقلق ("عباس" ؛ ما بالك يا بني؟ لماذا ذهنك مشغول دائما بهذه الأيام؟؟ ) وقبل أن يفتح فاهه ليرد عليها ؛ كان توأمه قد تبرع قائلا بسخريته المعتادة ( ربما عاشق!! مع انني لا أضن بأن هناك فتاة سترضى به ) لم يستطع "عباس" تجاهل تعليقه؛ وتعمد أن يرد عليه بحكمة لا بغضب واندفاع ( قد لا أملك يا أخي جاها ولا مالا ؛ ولكنني أملك ما لا تملكه؛ أملك الايمان الذي قد يؤهلني للزواج بامرأة متدينة راضية بقسمتها التي قسمها الله لها) لوى "جاسم" شفتيه باستهزاء وتابع تهجمه رغم دعوة أمه له بالسكوت واحترام أخاه الأكبر ( الايمان؟؟ قد لا أملكه ولكنني ملاحق من معظم فتيات القرية )حدجه "عباس" بنظرة غاضبة وقد احتقن وجهه أسفا على أفكار أخيه المنحرفة وقال بحدة بهدف ايقاضه من غيبوبته التي طالت كثيرا (لا بد ان هؤلاء الفتيات لسن الا مخدوعات بك؛ والا لما لاحقنك الا لاسداء النصح ) سيطر الغضب على "جاسم" لسماعه مثل هذه الكلمات من أخيه ؛ فراح يسب ويلعن ويصفه بأقسى النعوت ( لست الا متخلف معقد!! من تضن نفسك أيها المغرور؟ لست سوى حثالة !! أنت تغار مني؛ هيا اعترف يا شيخ الجامع انني أفضل منك ولهذا تكرهني !!!!) نهض "عباس" ليمسك بيد أخيه التي يلوح بها بشكل عشواءي مهدئا ( أنك مخطى يا أخي؛ أنا لا أكرهك..) قاطعه دون أن يهتم لسماع البقية وهو يصرخ بهستيرية وقد أبعد يد أخيه ( لا تقل أخي !! كلكم تكرهونني وتريدون التخلص مني ..) واستدار الى أمه وأكمل ( حتى أنت؛ تفضلينه علي وكأنني لست بأبنك !!) وغادر المكان بعد ان صفع الباب بقوة كاد أن يتحطم معها؛ استدارت الأم لأبنها الأكبر في أسى ؛ فوجدته وقد وضع يده اليمنى على جبهته بيأس ؛ وأخذ يردد كمن لا حول له ولا قوة (انا الى الله وانا اليه راجعون !) …

كانت الأيام التالية لهذا اليوم بمثابة الكابوس بالنسبة ل "عباس" ؛ فقد استغل "جاسم" غضبه المزعوم وراح يكثر من سهراته خارج المنزل؛ فلا يعود الا قبيل أذان الفجر؛ مما زاد من تأزم العلاقة بينه وبين أخوه الأكبر الذي لم يستطع ردع نفسه عن اسداء النصح ؛ والذي يعتبره "جاسم" تدخلا في أموره الشخصية . ومع كل ما عاناه "عباس" مع توأمه؛ انشغل بعض الشي عن موضوع "جنان" ؛ وخاصة بعد اعتماده على ظهور نتيجة مقاله الأسبوعي بالمجلة. ولم يذكره شي بالموضوع الذي تناساه قليلا بسب همومه العائلية سوى حظور "أبو حسين" له بالورشة بعد نشر المقال بيومين؛ كانت تبدو ملامح الارتياح على سحنته وكأن حملا قد انزاح عن كاهله؛ بعد السلام؛ انحنى بتواضعه المعروف ليربت على كتفه بمودة حيث كان منشغلا باعداد خزانة للكتب(لقد قرأت مقالك يا بني ؛ كان رائعا ومؤثرا بدرجة مذهلة ؛ واصل ؛ وفقك الله ) غمرت كلماته "عباس" بالفرحة؛ وحمد الله كثيرا لهذا النجاح ؛ وسأله الصحة التي يستطيع من خلالها تحقيق ولو جزء بسيط من أحلامه السامية . أما "حسين"؛ فقد احتضنه بقوة وانهمرت الدموع على وجنتيه دون أن يحس ؛ وراح يردد بمنتهى الامتنان (لقد فاجئتني يا "عباس"؛ ولا أعرف كيف أشكرك) ربت "عباس" عندها على ظهره وقد غمره التحدي وشدة الاصرار ( هذا ليس كل شي)
ومما زاد سعادة "عباس" أيظا بعد نشر المقال؛ هو قلة خروج شقيقه وسهراته خارج المنزل بشكل ملحوظ. في البداية تعجب الأمر؛ ولكنه سرعان ما أدرك الحقيقة؛ ففي احدى الأيام التي كان عائدا فيها من صلاة العشاء للجماعة بالمسجد ؛ تفاجى بأن غرفته مفتوحة بشكل غريب؛ فأمه تذهب في هذا الوقت لزيارة جيرانها وغرفته لا تحتاج الى تنظيف !! مشى بحذر ناحية الغرفة لعل سارقا قد دخل على غفلة لخلو البيت من أصحابه؛ وعندما تطلع الى الداخل بوجل؛ تبين له ان السارق ما هو الا
شقيقه "جاسم" ؛ والذي كان يعبث بأوراقه بمنتهى التوتر ؛ وكأنه يبحث عن شي ما !! جمد "عباس" بمكانه لهول الصدمة ؛ ف "جاسم" لا يبحث عن النقود ليسرقها ؛ ان هدفه هذه المرة في غاية الخطورة والسرية؛ فما حاجته لحفنة من الأوراق وهو الذي لم يطق العلم يوما وتذرع بأوهى الحجج كي لا يتم دراسته الاعدادية؟؟ هناك سر ما … راقب "عباس" ما يجري بسكون
ودون أن يثير أية ضجة؛ وبعد عدة دقائق من البحث المضني؛ شد "جاسم" اليه مجموعة من الأوراق وهتف بهمس وقد غمرته
فرحة غريبة ( وجدتها !!) وتابع (سحقا لك يا "عباس" ولمقالاتك التي تفسد علي حياتي) وعندها وعى "عباس" بأن مقاله الجديد في خطر؛ فدخل عليه على الفور ؛ وقبل أن يستطيع الايتاء بأية حركة ؛ كان قد اختطف الأوراق من يده بسهولة ورماها على السرير؛ وأمسك بعدها بسترة أخيه مهددا ( أخبرني يا أخي العزيز ما الذي تسببه لك مقالاتي لتتجرأ على دخول غرفتي وتسرقها؛ تكلم على الفور !!) صعق "جاسم" وراح يهذي كالمحموم خوفا على نفسه ( اتركني وسأخبرك بكل شي )
( قل أولا !!) ومع اصرار "عباس"؛ لم يستطع "جاسم " الا الرضوخ والتفوه بالحقيقة ( ان ما تكتبه يفسد علاقتي ب "جنان" ؛ فبعد ان قرأته توقفت عن مراسلتي نهائيا خوفا منها أن يسبب لها ذلك المزيد من الاشاعات..) صرخ "عباس" بذهول مقاطعا (كذاب !! لا يمكن ل "جنان" أن تكون علاقة معك!!) … ( انني لا أكذب ؛ رسائلها التي بخط يدها لا تزال بحوزتي) تطلع "عباس" الى عينيه التي يطل منها الصدق لأول مرة ؛ وقاده الى المجلس حيث يحتفظ بحاجياته الخاصة؛ فتفاجى بصحة ما قال !!!!!!!!!

كانت الأيام التالية لهذا اليوم من أتعس الأيام التي عاشها "عباس" ؛ وتعجب كيف ان فرحته بنجاح المقال قد تحولت بدقائق الى حزن عميق لا يقوى على حمله. تهرب من "حسين" كثيرا ولم يدر ما الحل ؟ فكلما مر بذاكرته وهو يؤكد ان ما يقال عن أخته كذبا ؛ تزداد حيرته وشروده؛ فمن المؤكد انه لا يعلم بأمر الرسائل ؛ وهذا ما يجعله مصمما على براءة أخته . أصر "عباس" على عدم اليأس؛ ووعد ربه وعدا صادقا بأنه سيجاهد حتى يكشف الستار عن كل الحقيقة مهما كلفه ذلك من عناء…
وفي صباح اليوم التالي؛ استيقظ "عباس" ؛ وقرر تأجيل مقاله الجديد ؛ وشارك بعدها والدته طعام الافطار. سعدت "أم عباس" كثيرا وقربت له البيض والجبن وقالت مشجعة ( نعم؛ هكذا يا بني؛ كل لتقوى عظامك؛ فلبدنك عليك حق!) أيدها ببسمة حانية
( معك حق يا أمي!) وبعد تناوله لما قدمت والدته؛ سكب له كوب من الحليب وراح يرشفه بهدوء ؛ لولا تذكره لأمر ما دفعه للتوقف؛ فراح يسأل أمه (أين "جاسم" ؟؟) تنهدت والدته وقالت بلهجة فاترة مستسلمة ( لقد عاد للسهر مرة أخرى ولا يزال نائما ) ربت على كتفها برفق ( لا عليك يا أمي ؛ سيعقل بيوم ما ) وغادر بعد هذه الكلمات الى عمله وقد اعتزم التحدث مع "حسين" بما يشغله ؛ وراح يطوي الأرصفة وقد شغل نفسه بالتسبيح الى ان وصل لورشته الصغيرة؛ حمد الله وتقدم لمصافحة صديقه الذي سبقه بالحظور ؛ فتفاجى بلهجته الفاترة برد السلام؛ فبادر بسؤاله عن سبب تغيره بمنتهى الصراحة (مابك؟ هل من خطب ما ؟!) حدجه "حسين" بنظرة حزينة وقد أشار لكرسي خشبي بجواره داعيا اياه للجلوس ؛ وابتدر حديثه بغيظ واضح لم يستطع السيطرة عليه ( أخاك المصون هو سبب كل المشاكل التي تمر بنا يا "عباس" ) جمد "عباس" ذاهلا لهنيئة وهتف بداخل نفسه (اذن ؛ لقد عرف !!) أكمل "حسين" مرضحا حين وعى لعمق صدمته قائلا (لقد أوهم أختي "جنان" بأنه يحبها وسيتزوجها ؛ ودون أن تخبرني صدقته لجهلها به؛ وأقامت معه علاقة عاطفية !)نطق كلمته الأخيرة بمنتهى السخرية وكأنها تعليق على حديث سابق خمن "عباس" انه حديثه مع اخته ؛ وأكمل بعدها بأسى ( لسذاجتها راحت تبادله الرسائل وبخط يدها ؛ وبعدها اكتشفت الحقيقة؛ هو من أطلق عليها تلك الاشاعات المهينة !! ؛ وقعت فريسة الحيرة ؛ وخافت من اتهام من يملك بحوزته أخطر الادلة ..) قاطعه "عباس" عندها وهو يخرج حزمة من الاوراق من جيب بنطاله
ويدسها بيد رفيقه قائلا بهمس وقد احمر وجهه خجلا لما سببه شقيقه من ازعاج كبير ( لم يعد يمتلكها؛ بوسعك الآن التصرف معه بما شئت!!) تطلع اليه "حسين" بتعجب؛ غير مصدق ما يجري؛ وبعد فترة من الصمت؛ تبرع "عباس" بازاحة باقي الستار لتظهر الحقيقة كاملة ( كنت سأخبرك ان "جاسم" أخبرني بأمر الرسائل بعد ان اصطدته متلبسا وقد أراد اتلاف مقالاتي ؛
اعترف ان علاقته ب "جنان" قد انتهت بسببها ) أتم عندها "حسين" الطرف الأخير من القصة متنهدا ( هذا كان نوع من المراوغة من قبلها؛ فهي تعرف ان لم تعطه سببا وجيها لتركه ؛ لما تركها وشأنها؛ ولراح يهددها بالرسائل التي "كانت" بحوزته) وشدد على كلمة "كانت" وهو يضم الرسائل الى صدره بفرحة غامرة ؛ وبعدها راح يربت على كتف صديقه مؤكدا ( لا تعتقد يا "عباس" ان ما فعله "جاسم" سيغير من شعوري نحوك؛ بالعكس؛ لقد تصرفت بشهامة عظيمة لتدافع عن سمعة "جنان" ؛ ولا أنا ولا هي سننسى لك ذلك أبدا ) شعر "عباس" عندها بارتياح لا مثيل له وكأن صخرة كانت جاثمة على صدره وانزاحت للتو؛ ونهض من موقعه ليحتظن رفيقه وقد راح يردد بحب غامر ( لن أرتاح حتى أحل هذه المسئلة نهائيا ؛ فلابد ل "جاسم" أن ينال عقابه ) …( أنا وأنت نعلم جيدا ان "جاسم" بعيد عن التوبة كل البعد؛ ان كنت تريد أن تسدي لي معروفا بحق ؛ واصل سلسلتك لتخبر الجميع بما حدث ل "حنان" ( وهو الأسم المستعار ل "جنان" ) فيتعظوا ويكفوا عن رمي الناس بالتهم التي تقشعر لها الأبدان؛ ولا يرضى بها الله ورسوله )……………. الجيريا

( نهاية الفصل الأول )

(الفصل الثاني)
(عباس !! جئتك من سبأ بنبأ يقين ) تفحص عباس عيني رفيقه المتحمسة ؛ واستعجله حينها على أمل في تلقي الأخبار الطيبة بعد خيبة الأمل الأخيرة ( ماذا هناك ؟؟) عاجله حسين بالخبر ( لقد أفرجوا عن أسامة !! ) تلقاه بين ذراعيه القويتين بغبطة وسرور مرددا ( الحمد لله؛ الحمد لله !!) … لقد شكل اعتقال أسامة _ هكذا فكر عباس وهو يقود سيارته المعدمة التي اشتراها مؤخرا _ حادثا مروعا بالنسبة اليه والى أصدقاء دربه الجدد؛ فهو كان خطر عليه من جهة؛ وعلى تجمعهم الثوري من جهة أخرى؛ ولكن الحمد لله _ ردد عباس وهو يدخل منزله الموحش بعد وفاة والدته الطيبة ورحيل جاسم مع الخادمة الفلبينية التي جلبها هو عندما استفحل المرض بوالدته وتأكد من عدم قدرتها على تحمل أعباء المنزل الشاقة_ ها قد أفرج عنه؛ وسيكون كل شي على ما يرام ان شاء الله. تمدد على فراشه المتواضع ليتسنى له أخذ قسطا من الراحة بعد عناء المحاظرات وتزاحم الأحداث لهذا اليوم وراح يفكر في الخطوات القادمة التي سيتخذها هو ورفاقه المجاهدين الذين اختاروا اسم جنود الله ليدل على تجمعهم المبارك والذي كان أسمى هدف له هو المطالبة بتفعيل الدستور الذي ظل مجمدا لسنين طويلة . كان عباس في هذه الأثناء يقاوم رغبته بالذهاب لتهنئة أسامة بكل السبل بعد ان أوصل اليه حسين رغبة الأخير بالتظاهر برسمية العلاقة بينه وبينهم خوفا عليهم ؛ وسرعان ما سهل عليه النوم هذه المهمة !!…
استيقظ بعدها على صوت ابنة خاله الصغيرة التي غالبا ما تأتي اليه لتدعوه لتناول وجبات الطعام برفقتهم .._ فكر عباس وهو يتوجه لحمام غرفته ليغسل وجهه بعد ان وعدها باللحاق بها _ ان مقدم خاله وعائلته الصغيرة الى البلاد بعد طول غياب كان بمثابة نعمة وهدية من الله ؛ فلولا حظورهم وتوليهم لشؤونه وشؤون منزله لعانى الأمرين ؛خصوصا وهو الذي يرجع منهكا من الجامعة ولا يقوى على فتح عينيه ؛ بالاضافة لاستبعاد فكرة الخادمة لسببين: الأول هو قلة المال؛ والثاني هو ما جرى من مشاكل وفضائح من أخيه الذي حارب والدته على آخر أيامها لأجل خادمة لا تعترف بمن خلقها … آلمته الذكرى فتجاهلها بالتفكير بمستجدات حياته ؛ فالحمد لله ؛ انه الأن يمتلك عائلة جديدة تعامله بمنتهى الرقة والحب والحنان؛ بل هو _ ودون مبالغة _ كان السبب الرئيسي باستقرارها رغم الظروف الحالية للبلاد . ابتسم بخفة حين تذكر الدور الذي يجب عليه القيام به حال دخوله الى منزل خاله ؛ كانت تلك نصيحة حسين وكانت بمحلها حقا ؛ حيث أشار عليه بتقمص دور الشاب الأحمق الذي لا يفقه شيئا ولا يهتم بما يدور من حوله. في البداية كان مترددا ؛ ولكن الشكوك التي حاصرته دفعته للرضوخ؛ واكتشف مع التجربة انه كان حلا سليما ومناسبا ؛ ناهيك عن الراحة النفسية التي يشعر بها الشخص حين تكون لديه القدرة على اقناع من حوله بمدى ضرافته وخفة دمه !! وبالتالي؛ فقد ساعدته اشاعات الناس وتبادلهم للأسباب التي قادته لهذه الحالة ؛ والتي أبرزها ما جرى لأقرب الناس لديه. حاول التسبب ببعض الازعاج حتى يتسنى لزوجة خاله وابنة خاله الكبرى فرصة التواري خلف الحجاب الاسلامي المنزلي ؛ وفعلا ؛ تناهى الى مسمعه صوت امرأة خاله من المطبخ القريب وهي تقول بترحيب صادق ( تعال يا عباس ؛ الطعام سيجهز حالا ) استرخى على مقربة من ابنة خاله الصغيرة زينب محاولا التشاغل بمداعبتها حتى يأتي الطعام وقد علت وجهه مجددا تلك العلامة الحمقاء (زينب دعيني ألعب معك بهذه اللعبة !) صرخت زينب بشكل طفولي وعنيد أضحكه من الداخل ( لا ! انها ليست لعبة للصبيان ؛ انها عروسة ) استغل ما قالت على الفور حين أبصر دخول لبنة خاله الكبرى منال الى القاعة حاملة بعض الخضار قائلا بطفولية وسذاجة واضحة ( يعني انها عروسة مثل منال ؟؟) لم تستطع كتم ابتسامتها أمام هذا التعليق من ابن عمتها الأحمق ؛ فجلست شبه ناءية وهي تهز رأسها يمينا وشمالا وقد شرعت بتقطيع الخيار ؛ الا ان أمها المشغولة بنقل الأطباق سارعت بتأييده بطيبة وحنان كبيرين على ابن حماتها اليتيم (صدقت يا بني؛ لقد كبرت منال وأصبحت عروسا ) هتف عندها عباس بحماقة وتصابي وكأنه لا يعي حقا لما يقول ( اذن؛ فعرسنا قريب يا زوجة خالي؛ أليس كذلك؟؟) وقبل أن تستطيع الرد؛ كانت منال قد تبرعت قائلة باحتجاج واضح وقد ضمت حاجبيها استنكارا ( ماذا تقول؟! صن لسانك يا عباس !! أنا لن أتزوجك؛ هل جننت ؟!) تلعثم عباس واصطبغ وجهه خجلا دونما شعور؛ وقد وقع كلامها موقع الرصاصة على قلبه ؛ ورسمت الجدية على محياه لثواني ؛ استدارت الأم خلالها لتوبيخ ابنتها بشدة قائلة (أنت من يجب عليه صون لسانه يا منال ! لا تتحدثي بهذه الطريقة مع ابن عمتك !!) وقبل أن ترد منال ؛ دخل والدها من الباب الرئيسي؛ وما ان وقعت عيناه على ابن أخته؛ حتى استرخت قسماته في لطف وألقى السلام ؛ واستقر بعدها بقربه وراح يربت على قدمه دون أن ينبس ببنت شفة. حل الصمت احتراما للطعام؛ وراح عباس يأكل بشهية مفتوحة وبطريقة مضحكة ؛ بينما في الجهة المقابلة راحت منال تتطلع اليه في دهشة وتقزز؛

ونظرات أمها تلاحقها كظلها . وبعد ان فرغ الجميع ؛ استعدت أم محمد لنقل الأطباق المتسخة الى المطبخ وقد ألقت على ابنتها نظرة مهددة لاحظها زوجها فراح يستفسر باهتمام ( هل من خطب؟) أسرعت الأم بالرد بخوف واضح ( أبدا؛ أبدا ) ولكنها تفاجئت بصوت عباس المستهتر يقول وهو يتطلع في منال بتوعد ( لا ؛ لا ؛ هنالك شي يا خالي؛ لا تكذبي يا زوجة خالي فالكذب حرام؛ أنا سأخبرك يا خالي !!) تطلعت الأم الى ابن حماتها وقد تملكها الرعب لما ستناله منال من تقريع وتهذيب من والدها المحب لابن أخته ؛ بينما تظاهرت هي بالشجاعة وتطلعت اليه بتحد كاذب. استعجله خاله ( قل يا عباس واصدقني القول!) تمتم عباس كالمحموم عدة مرات ( بالطبع فالكذب حرام ؛ أليس كذلك يا خالي؟ الكذب حرام! كل ما في الأمر _ وتطلع بتخويف الى منال وكأنها طفلة لا فتاة في العقد الثاني من عمرها قبل أن يتابع قائلا _ كل ما في الأمر ان… اوه !! لقد نسيت انني وعدت جوجو بأن أرافقه الى الحديقة المجاورة بعد الغذاء_ وهو فتى في الحادية عشر اسمه جلال _ عن اذنك يا عجوزي الجميل !!!) وقبل خاله قبلة طفولية طائشة قبل ان يغادر المنزل؛ ولم ينسى طبعا الاستدارة لابنت خاله ليرى موقفها؛ فوجدها هائجة أكثر مما كانت؛ وأقسم انه لو ترك لها الخيار في هذه اللحظات؛ لقتلته خنقا !!..

كان يوما لا يمكن نسيانه أبدا ؛ ذلك اليوم الذي عانق فيه أسامة بمنتهى الشوق واللهفة بباحة الحرم الجامعي الذي طالما جمعهم بأيام جميلة (هو وشلته) وبلحظات لا يعيشها الا سعيد الحظ؛ ولمرة واحدة لا غير!! وسرعان ما استأنث العمل _ هو ورفاقه_ بعد أسابيع قليلة_ عبر نشر المخطوطات المتعلقة بالوضع السياسي بالدولة؛ والتي كانت توزع بسرية وحرص شديدين وبعدة طرق؛ منها الرمي فوق رؤوس المصلين أثناء السجود بصلاة الجماعة خوفا من الوشاية التي تبنتها كثير من النفوس المريضة مقابل حفنة رخيصة من المال. وما ان انتهت هذه المهمة؛ حتى سارع جنود الله برسم معالم الخطة التالية في منزل أحد الأفراد اسمه عبد الله ؛ وما ان انتهوا وحددوا الموعد؛ شيع عبد الله رفاقه بمنتهى الحذر الى خارج المنزل ؛ وتفرقوا بعدها بالحال؛ فمن صادف ورآهم؛ اعتقد انه لا يعرف الواحد منهم الآخر؛ ولو كسكان قرية واحدة !!
وفي مساء اليوم التالي؛ وحين كان عباس جالسا في منزل خاله يتسامر مع زينب بعد أداء صلاة الجماعة بالمسجد ؛ دخل خاله الى المنزل وبيده بعض المشتريات التي أوصته زوجته باحظارها وقد تغيرت سحنته وبدى متظايقا الى أقصى حد . لم تتجرأ أم محمد على سؤاله ؛ فأشارت الى منقذها عباس بحركة خفية من يدها ؛ نهض عباس من على الأرض حيث كان يلعب مع زينب وجلس بجوار خاله الذي أسرع في ضمه بيد واحدة؛ فهتف عندها بحماسة ( ما بك يا خالي ؟؟ هل أزعجك أحد ما لأضربه وألقنه درسا ؟؟ أخبرني !!) ابتسم خاله ابتسامة جانبية وكأنه يقلل من شأنه؛ ومن ثم هتف باشفاق وهو يوجه حديثه لزوجته مباشرة ( الدوريات لا تتوقف هذه الليلة؛ ليستر الله !!) تطلعت الزوجة الى زوجها في قلق؛ وراحت تردد آية قرءانية كثيرا ما تذكرها ( وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فهم لا يبصرون ..) بينما استدارت منال المندمجة باحدى البرامج الدينية بمنتهى الاهتمام نحو والدها ؛ وبعدها وجمت واستدارت ثانية الى التلفاز. لاحظ عباس تعبيراتها القلقة ؛ انه يعرف منال جيدا ؛ هناك ما يثيرها بشكل خاص بالنبأ الذي نقله والدها. وكان ضنه في محله ؛ فقد لاحظ دخولها بشكل مفاجى الى غرفتها حيث أوصدت بابه باحكام !! هناك ما يجري مع منال منذ مدة ؛ ولكنه لا يستطيع تخمينه.. تجاهل الأمر بعد ان لاحظ حلول الساعة الثامنة والنصف_ وهي الموعد المحدد لمقابلة رفاق دربه_ (ولعل أهم الأسباب لاختيار هذا الوقت المبكر هو عدم توقع الدوريات لحدوث العمليات بهذا الوقت ) نفذ عباس تخطيطه وتظاهر باللعب مع زينب في الحديقة الخلفية حيث الباب الجانبي؛ فتسلل الى الخارج ببساطة ويسر؛ وانضم الى رفاقه بالمكان المحدد وأخبرهم بما عرف للتو؛ فقرروا تأجيل العملية الى الساعة العاشرة مساءا لتكون الأجواء قد هدأت حينها ؛ فرجع بعدها لمنزله محاولا قضاء وقته بقراءة ما تيسر من القرآن الكريم وقد وقع الخشوع في نفسه موقعا لا يستطيع معه أن يلتفت الى ما حوله؛ حتى لو كان كارثة !!!!………………………

أسرع في المغادرة حيث رفاقه متوكلا على عناية الله التي تحمي المؤمنين من كل شر؛ ومضى يقطع الأرصفة الواحد تلو الآخر حتى استقر به المسير بالمكان المتفق عليه . كان "يوسف" و " لؤي" و "عبدالله" و " حسين" قد سبقوه وبقا في انتظاره ؛ وما ان وصل ؛ حتى ذكروا اسم الله جميعا وتوكلوا على الله… تولى "يوسف" و عبدالله" مهمة المراقبة؛ بينما تفرق كل من "لؤي" و "عباس" و "حسين" باتجاهات مختلفة. صار "عباس" يخط الشعار تلو الشعار في سرعة ومرونة ؛ أحكم لثامه الذي في الحقيقة عبارة عن (غترة) فلسطينية ؛ في الوقت الذي تناهى اليه صوت "عبدالله" على هيئة عواء قطة متفق عليه؛ فعلم بقدوم أحد ما . أسرع في الجري مبتعدا بأنفاس لا يكاد يلتقطها ؛ وتوقف عند أحد البيوت وقد اشتد لهاثه؛ وتصبب العرق على وجهه صبا ؛ فتفاجى بما قد أذهله : فتيات يرتدين زيهن الاسلامي ويغطين وجوههن بخمار أسود قد وقفن بكل شجاعة يكتبن الشعارات !!! ولم يدر ما العمل؟ وما الطريقة السليمة لابلاغهن بقرب الخطر ؟ ولم يكلف نفسه جهدا بهذا الشأن ؛ فقد تعالت صوت كحات نسائية انفضت النسوة على اثر سماعها بلمح البصر . ولكن؟؟ يبدوا ان احداهن لم تسمع شيئا؛ فقد استمرت في الكتابة باندفاع كمن في كوكب آخر!! ورغم صعوبة موقفه؛ لم يستطع ردع نفسه من انقاذها ؛ خصوصا وقد اقتربت سيارات الجيب شيئا فشيئا.. اقترب منها عدوا وصاح فيها ( اهربي؛ الدورية قادمة !!) ولقد توقع "عباس" كل شي في هذه اللحظات كردة فعل ؛ الا صرخة مدوية للفتاة التي أيقضها صوت خشن من أحلامها كان _ أغلب الضن بالنسبة اليها _ صوت أحد الضباط أو أحد العملاء بحالة أقل سوءا !! كانت قد أسقطت رش الصبغ من يدها واستدارت للوراء برعب وهلع شديد ؛ اضطر معه "عباس" لتهدئتها قائلا ( لا تخافي يا أختي واهربي بسر…) وقبل أن يتم عبارته ؛ أدرك بأن الجيب قد اقترب ؛ وأصبح ابتعادهما أمرا مستحيلا ؛ وأدركت هي ما يجول بخاطره ؛ فتملكها الرعب حتى كاد يجزم بأنها ستسقط مغشيا عليها بين لحظة وأخرى ؛ ولكنها بعد ثواني؛ وبذكاء انثوي ؛ تصرفت بسرعة وأخفت الرش الخاص به وبها في زاوية مظلمة بين القمامة وأطلقت صرخة مصطنعة حين اقترب أحد رجال الأمن منهما قائلة (يا الهي !! انه أخي؛ سيقتلني ان رآني معك بهذا المكان المظلم !!) فهم "عباس" فورا ما ترمي اليه ؛ فراح يمسك بيدها _ التي تلبس القفاز الأسود_ بحركة ودية مزعومة مهدئا ( لا تخافي ؛ انه رجل غريب؛ هل من خدمة ؟؟) ابتسم الرجل بخبث وقد ضن انه قد فهم ما يدور بينهما وسبب تلثم الشاب وسأله بلطف يدل على تشجيعه لفعلتهما الشائنة حقيقة" ( لو سمحت؛ هل صادفكما مرور جماعة من "الارهابين"
بهذه الأنحاء؟؟) رد "عباس" في لطف مصطنع أجاد تمثيله ( بالطبع لا ؛ فأنا وصديقتي كنا ..) قاطعه الرجل متفهما حين أنكس "عباس" رأسه بحياء ظاهر وقال وقد اتسعت ابتسامته الماكرة ( نعم ؛ نعم؛ لاعليك؛ خذا راحتكما وآسف للأزعاج !!) وانصرف الرجل بعد ان غمزه وقال ( اعتن بها جيدا يا رجل !!) .. كان أصعب ما مر به أن يستدير بعدها للفتاة ؛ ليس قفط لما تفوه به للتو ؛ بل لأنه _ وما ان تكلمت الفتاة وصرخت _ حتى أدرك بأن هذه الفتاة الذكية المناظلة ما هي الا ابنة خاله "منال" !!! وبالطبع لم يستطع أن يكشف حقيقته أمامها وينزع اللثام؛ فذلك يعني افساد خطته السياسية من جذورها؛ ولذلك ظل حائرا ينتظر منها كلمة شكر أو وداع حتى ينصرف لشأنه . أنكست "منال" رأسها بخجل جم ؛ وهمست بعدها بلطف وحياء شديدين ( آسفة يا أخي ؛ لقد تسببت لك بكثير من الازعاج بغبائي وشرودي ..) ولم تدر بما تكمل ؛ فتبرع بالقول بمنتهى الرقة والحنان ( أبدا ؛ كل انسان يمر بهذا المرقف؛ أنا نفسي مررت به ؛ وان كان يدل على شي ؛ فهو يدل على صدق وطنيتك وحماسك الشديدين ) لاحظ ابتسامتها من تحت الخمار _ والذي لم تكن تلبسه حقيقة في القرية مكتفية بالحجاب و العباءة _ فاكتفى بذلك وهم بالابتعاد ؛ غير ان صوتها قد ناداه بتذكير (يا… ؛ الرش !!) كان واضحا من طريقتها انها راغبة بمعرفة اسمه على سبيل الفضول الذي يعرفها به ؛ ولأنه يعرفها؛ لم يتعب نفسه بمراوغتها بل أكد قائلا وهو يتناول رشه ( "عبدالله" ) حتى يكون جوابه صادقا وخاليا من الكذب؛ فهو عبد لله حقا !! شكرته وهي تسرع في اتجاه منزلها (شكرا لك يا "عبدالله" ؛ لن أنسى لك هذا يا أخي ).

كان اليوم التالي لهذا اليوم مليئا بالاضطراب والقلق؛ فقد كثرت الدوريات في القرية و لزم كل امرى بيته خوفا على أسرته بما فيهم خاله الذي دخل الى المطبخ ليحادث زوجته المشغولة باعداد وجبة الغداء حديثا هامسا كي لا يسبب القلق للحاظرين ؛ والتي "زينب" ذات السبعة ربيعا من بينهم. كان "عباس" يشعر بخوف شديد على ابنة خاله العنيدة "منال" ؛ فقد كانت بذلك الوقت يجب أن تكون في طريقها الى المنزل بعد انتهاء آخر محاظرة لديها بالجامعة حيث تدرس بكلية الآداب؛ وخصوصا بعد ما عرفه عن تحركاتها السياسية الغير متوقعة بالنسبة اليه ؛ فهو لم يلحظ عليها كل هذه الوطنية سوى البارحة ؛ ولم يدرك الا للتو بأن الجنس الآخر _ وهن النساء _ سيفكرن باتخاذ مثل هذه الخطوات الشجاعة باتجاه هذه القضية الحساسة .

قاطع دخول "منال" الى المنزل أفكاره ؛ كانت تحمل كتبها وشنطتها اليدوية الصغيرة وقد علت وجهها علامات التوتر بشكل ملحوظ.. دخلت لغرفتها دون أن تلقي السلام؛ وخرجت بعد ان أدت صلاتها وبدلت ملابسها وارتدت فوقها زيها الاسلامي الذي يلازمها بوجوده الذي لا يطول بسبب مشاغله السياسية ودراسته الجامعية ؛ بالاظافة لعمله عصرا بالورشة ؛ حتى يتمكن من دفع رسوم الجامعة. تجمع الكل على المائدة ؛ وساد الصمت وخيم على المكان في رهبة . لم يستطع "عباس" منع نفسه من التفرس بابنة خاله الكبرى ؛ لقد كبرت كثيرا ؛ لم تعد تلك الفتاة الصغيرة التي تشبثت بسترته بكل قوتها رافضة الابتعاد عنه ؛ ومعلنة بكل طفولية انها لا تقوى على العيش من دونه.. لشد ما تغيرت !! لقد أضفت عليها السنون صبغة جديدة وتحد كبيرين . لازال يتذكر دهشتها واحتقان وجهها الحنطاوي حين قابلته وهو على الحال التي اختارها لنفسه ؛ أو اختارتها الظروف بشكل أصح . لقد لاحظ في ذلك اليوم الانكسار واضحا في عينيها العسلية ؛ وأخذه الغضب أخذا حتى كاد يفصح عن كل شي لولا اصرار "حسين" على أن لا يفعل؛ ووقوفه الى جانبه بتلك اللحظات الصعبة … تنهد بضيق لهذه الذكرى المؤلمة؛ وأنزل رأسه الى طعامه؛ وتفاجى _ ما ان رفعه ثانية _ بنظرات "منال" المحدقة به. لم تنزل عينيها بعدم اكتراث بردة فعله ؛ وواصلت حملقتها الغريبة متفرسة في وجهه. في البداية اعتقد "عباس" انها قرأت أفكاره ؛ ولكنه سرعان ما اكتشف خطأه ؛ "منال" تحدق في عينيه بشكل خاص.. ياالهي !!! صرخ بداخله ! لابد انها لاحظت الشبه بينه وبين منقذها المجهول!! نعم؛ والا لما التحديق المفاجى والطويل بعينيه؟؟ انها عادة لا تنظر الى ظله حتى ؛ انها لم تسلم عليه ولو كمجاملة عندما دخلت الى المنزل !! أنكس رأسه ثانية بشكل متعمد وراح يتشاغل في الأكل ؛ وعندما رفعه ثانية ؛ كانت قد عادت الى طعامها وقد علت وجهها تكشيرة واضحة. شعر "عباس" بحزن تجاهل مصدره وانسحب على الفور من على المائدة واتجه الى حيث المغسلة بالمطبخ وغسل يديه المتسختين بالماء و الصابون؛ وغادر المنزل بعد ان أحدث ضجة مصطنعة صاح فيها (سأغلبك اليوم يا "جوجو" !!) .

صحى "عباس" في اليوم التالي مبكرا ليذهب الى كليته _ كلية الآداب _ وقد شعر بقليل من التحسن بنفسيته . تفائل خيرا وغادر منزله بعد ان نظف أسنانه ومشط شعره الأسود الناعم الى الوراء بترتيب. وبعد ان اصطحب "حسين" ؛ توجه الى جامعته ووصل اليها قبل المحاظرة بنصف ساعة التقى خلالها بباقي أصدقائه وزملائه بالقاعة ؛ فوقف _ برفقة صديقه الحميم_ ليتبادل معهم أطراف الحديث .. كان الحوار دائرا حول تميز بعض الأساتذة في توضيح المواد. صاح "لؤي" محتجا على حديث ل "عبدالله" بمنتهى الحماس (دكتور "وليد" يشرح جيدا ؟ أرجوك !!) أصر "عبدالله" على موقفه بخفة دم معتادة منه قائلا ( لا ؛ دكتور "لؤي" هو من كنت أقصد ! ) ضحك الجميع _ بما فيهم "عباس" _ بخفة على هذا التعليق الساخر؛ ولكن ضحكاتهم اللطيفة تحولت فجأة الى نظرات مندهشة حين وقفت فتاة فجأة بصحبة رفيقاتها على مقربة منهم وصرخت بذهول ودهشة لا توصف ( "عباس" !! ما الذي أتى بك الى هنا ؟؟؟ ) تسمر "عباس" في مكانه ولم يحرك ساكنا ؛ وأدرك متأخرا ان وقوفه بعيدا عن قاعته كان خطأ" فادحا" . لم يلتفت لابنة خاله المصدومة من شدة الارتباك ؛ الى ان أنقذه "حسين" باعجوبة قائلا ل "منال" بلهجة محترمة ( عفوا يا أختي ؛ صديقي ليس من تضنين ؛ اسمه "جاسم" وليس "عباس" !! ) استدار "عباس" الى "حسين" منصدما بكذبته المعلنة . أيده الرفاق وهم يشيرون الى أحدهم اشارات خلفية بعيدا عن نظرات "منال" في نبرات متفاوتة بين المرح والجد ( حقيقة" انه "جاسم" !!) بدت "منال" أكثر اندهاشا وصاحت ثانية بغير وعي ( "جاسم" ؟؟ ابن عمتي؟؟) تماك "عباس" نفسه وقال بشي من الهدوء الزائف ( ابن عمتك بعينه !) تطلعت اليه باحتقار وبعتاب كبير على ما فعله بنظرها ؛ وهو قد فهم ما ترمي اليه على الفور ؛ فقاطع نظراتها بقوله مبتعدا وقد جر "حسين" من يده وبشي من السخرية في لهجته لتشابه لهجة أخيه نوعا ما ( سلمي على خالي العزيز؛ لا تنسي !!!)

لم يستطع "عباس" التركيز أثناء محاظراته؛ نظرات "منال" المحتقرة له صارت تلاحقه كقدر لابد من مواجهته. شعر بأن الحزن أصبح ميزة من ميزات حياته مؤخرا ؛ فها هي همومه تزيد هما آخر ؛ ف "منال" _ بالاظافة لاستهزاءها واستخفافها بشخصيته _ فانها ستضيف الى كل ذلك عتابها واستياءها واحتقارها لأفعال "جاسم" التي غالبا ما يدفع هو ثمنها !! ….
ان أكثر ما يدهشه بكل هذا هو "حسين". انه مصر على الدفاع عن فكرته ودعم استمرارها بأي ثمن. ولو كان "عباس" لا يدرك بأن هذا الاصرار ما دافعه الا حبه و خوفه عليه ؛ لما جاراه في مراوغاته أمام "منال" لدقيقة واحدة !!

بعد انتهاء آخر محاظرة ؛ التقى "عباس" ب "حسين" بقرب القاعة ؛ وما ان رآه الأخير حتى قام يضحك بقوة ؛ وكلما سأله "عباس" عن سبب هذه الضحكات العالية لم يستطع التوقف لثانية !!! انتظر الى أن يفصح عن ما يضحكه بنفسه ؛ وبينما كانا يستعدان للمغادرة ؛ قابلا صديقهما "أسامة" بقرب البوابة الخارجية للجامعة وهو يحتل المقعد وراء مقود سيارته وقد انخرط في ضحك لا ينتهي ما ان وقعت عيناه على "عباس" الذي استنفذ كل ما لديه من صبر واستدار لرفيقه بحنق صائحا (ماذا يجري ؟؟؟) صرخ "حسين" بدوره وقد غلبه الضحك ثانية ؛ وبصورة غير معتادة ( أضنني عرفت لتوي عنك ما لا يرضيني..) وقبل أن يستفسر "عباس" سبقه "حسين" بالقول (هل هربت مع فلبينية ؟؟!!)

(نهاية الفصل الثاني)

الوسوم:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.