كلمة الكاتبه :
في البداية أحيي الجميع ؛ وأشكر كل من تابع قصتي (سخرية القدر )؛ وأدعوكم لمتابعة قصتي الجديدة (دموع الحقيقة ) والتي تختلف كليا عن سابقتها من حيث الأسلوب والفكرة والأحداث التي تدور في احدى الدول العربية. لن أطيل عليكم؛ حتى تحكموا بأنفسكم؛ شكرا مرة ثانية…
(آه !! هاقد أتى شيخ القبيلة فاستفتوه ما شئتم..) تعالت الضحكات الرجالية المتصابية على التعليق الذي أطلقه جاسم بصوت مرتفع ماجن؛ تابع حديثه متشجعا بعد ان تأكد انه في موقع مرحب به بالمجلس نتيجة لخفة دمه التي غلبا ما يستغلها لصالح أعماله الشريرة قائلا بعد ان لمح علامات الضيق تعلو وجه أخيه الذي اتخذ له مجلسا شبه ناءي بعد ان ألقى السلام(قلي عباس؛ ما رأيك بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر؟؟) تبادل الحاظرون الهمسات واللفتات وقد فهموا مغزى السؤال المبني على مناقشة مثيرة سابقة قاطعها عباس بدخوله. رمقه بنظرة متفحصة ليستشف أسباب طرح هذا السؤال الغريب؛ والذي تزداد غرابته لكون ملقيه هو أخوه الأصغر جاسم الذي كان يصده بعنف كلما حاول نصحه وارشاده ؛ على كل حال؛ مهما تكن دوافعه فهو لن يخسر شيئا اذا أبدى رأيه بصدق؛ وقال بصوت ملي بالثقة والاعتزاز بالنفس (ان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الواجبات المحتمة والمهمة لكل مؤمن وان كان أدائها لا يفرض بصورة عينية ؛ فهو من الأخلاق الضرورية التي يجب ان يتصف بها كل فرد لتقوية دينه والمحافظة على…) قاطعه جاسم بشكل مفاجى وقد علت وجهه الأسمر ابتسامة خبيثة (نعم؛نعم؛ المحافظة على العادات والتقاليد؛ أليس كذلك؟!) حدجه عباس بنظرة حذرة وهو يضيف(والقوانين الشرعية أيظا) تمتم جاسم بعدم اكتراث ( نعم؛نعم؛ هذا صحيح..) قاطعه عباسبنفاذ صبر؛ فهو ليس من النوع الذي يحب الدخول في دوائر مغلقة (هل لك أن تخبرني عن سبب سؤالك؟) ..( طبعا؛طبعا من حقك أن تعرف سبب سؤالي) وأطرق هنيئة ليتدبر بعض الكلمات المنمقة حتى لا يحرجه أخوه الأكبر كالعادة؛ وقال بعدها بحذر وتردد قصير (هناك فتاة ساقطة الكل يتحدث عنها ؛ وأنا ورفاقي رأينا ان من واجبنا….) قاطعه قبل أن يكمل وشرار الغضب يتطاير من عينيه؛ وقال في حدة مستعتبا (أولا.. دعنا نناقش كلمة ساقطة والتي أدليت بها جزافا ودونما أدنى دليل سوى ثرثرات فارغة ثلاثة الأرباع منها كذب وافتراء على بنات الناس) احتج جاسم بلهجة محتدة لا يملك سواها للحفاظ على مكانته أمام الحظور (بل انها حقيقة مائة في المائة ؛ والدليل موجود) تطلع عباس بامعان في عيني أخيه العسلية والتي تختلف كليا عن عينيه من جهة واحدة؛ وهي طبيعة النظرات التي تخرج منها . فكر عباس: لما لا يصبح جاسم مثله رغم الشبه الكبير بينهما شكليا والذي يجعل حتى والدتهما تصاب ببعض الالتباس بعض الاحيان ؟؟!! لماذا اتخذ له طريقا مغايرا لن يجلب له بالنهاية سوى الدمار ؟؟ ألا يكفي كونهما توأمين لكي يفكرا بنفس الطريقة و يتطلعا الى الحياة من ذات الاتجاه؟؟؟؟ لا ؛ يبدو له بوضوح في هذه اللحظات ان ذلك لا يكفي البتة!! قاطع جاسم أفكاره وقد اعتقد ان صمته المفاجى ما هو الا استسلام(أتعرف ان جميع من في القرية ليس لهم حديث سوى هذه الفتاة ؟ انها تعلن غرامها لكل طيف تراه من بعيد وقد ارتدى بنطلون جينز وسترة مقلمة!!) انفجر رفاقه ضحكا على تعليقه ؛ لدرجة ان دموع بعضهم قد سقطت من شدة التوتر ؛ ما عدا عباس ؛ فقد ظل واجما ؛ وقام بجمع شتات نفسه ليقف بمقابلة أخيه المستهتر وقد نضخت عيناه العسلية بغضب قاتل؛ وبغمرة اندهاش الجميع؛ صفعه صفعة قوية احمر لها وجهه واكفهر؛ وغادر المجلس بعدها ؛ وقد تبعته شتائم أخيه وتهديداته وقد تملكه الغضب بشدة (سترى؛ سأحطم وجهك؛ وسألوث سمعتك باشاعات ستقرر الانتحار على سماعها من شفاه الناس؛ أعدك!!)
اندفع عباس يطوي الارصفة طيا وقد قادته قدماه الى الامكان . حاول أن يسترخي ويريح أعصابه المشدودة ؛ فاندفعت كلمات أخيه الى مخيلته كشريط مسجل؛ وأكثر ما استرعى انتباهه هي كلمة اشاعات. نعم؛ جاسم ليس الا مروجا للأشاعات لا أكثر ولا أقل؛ ان لم يكن هو مطلقها؛ وأغلب الضن بان ما قاله عن تلك الفتاة ليس الا ثرثرات وجدت طريقها للتحريف والتضخيم؛ ولكن؟؟ هل تأتي النار بدون دخان ؟؟ يا ترى ما الذي فعلته تلك الفتاة لتستحق هذه النعوت الظالمة والمتهمة لها بشرفها وأخلاقها ؟! يال الفتاة المسكينة!!! قادته رجلاه أخيرا الى احدى المطاعم الصغيرة المركونة على جانب من الطريق؛ والتي يتهافت عليها أفلاد القرية رجالا ونساء ؛ رغم ما تتناقله الاخبار من عدم نظافة المكان. ابتسم عباس وأطلق كلمة ساخرة بقرارة نفسه وهو يتوقف عند المدخل( كلها اشاعات !!).. وألقى السلام على العامل الهندي الذي يسرع في أداء عمله بمهارة معتادة وألقى اليه ببعض الفكة المتبقية في جيبه وأخبره عن طلبه ؛ وعندما لاحظ مقدم مجموعة من الفتيات؛ تنحى جانبا بمنتهى السرعة ؛ وأطرق برأسه حياءا وخجلا. كان هناك موضوع مثير يناقشنه لدرجة ان اصواتهن كانت تصل اليه بشكل غير متعمد. حاول التجاهل؛ غير ان كلمة ساقطة قد جذبته بذهول باتجاه المتحدثة ( كيف تسمحن لأنفسكن بقول مثل هذه الكلمات البذيئة الشائنة دون ادنى دليل؟! وهل يحتاج الأمر الى دليل حقا ؟! ألم تكن جنان زميلتكن وصديقتكن أنتن أيظا؟! أتحتجن الى من يؤكد لكن انها طاهرة شريفة ؟؟ ياللعجب !! هذه القرية وكأنها دائرة استخبارات ؛ يراقبن الفتاة بكل خطوة عسى ان يمسكن عليها ثغرة ما…) تدافعت الأفكار برأس عباس بقوة ؛ ولم يستطع التهام سندويشاته !! أيعقل ان من يتحدثون عنها هي نفسها التي تحدث عنها جاسم منذ قليل؟؟ ولما لا؟؟؟ فعادة أبناء القرية ان لا يتركوا موضوعا لأجل موضوع آخر؛ الا اذا صار الموضوع الأول قديما وبطي النسيان؛ وهو لا يعتقد ان موضوع الفتاة المدعوة جنان موضوع قديم؛ فعلى ما يبدو هو موضوع الساعة بالقرية قبل ان تظهر ضحية جديدة!!! تنهد تنهيدة عميقة متألمة؛ ان وضع القرية خطير جدا ؛ فأبنائها لم يعد لديهم شاغل سوى تبادل الاشاعات وتناقلها ؛ وأصبحت الأمور الدينية موضة قديمة بالنسبة اليهم !! ان هذا الوضع لا يسكت عليه.._ هكذا قال عباس_ وهو يدخل المنزل متجاهلا موقع مجلس الرجال بشكل متعمد. نعم؛ لن ييأس؛ وستكون قصة جنان المحطة التي سيعبر من خلالها الى أفئدة الناس وعقولهم…. أيقظته والدته أم عباس من أفكاره وهي تضع أطباق العشاء بمقابلته وتسأله بالحاح (عباس يا بني؛ اذهب واستدع أخاك من المجلس؛ لقد جهز العشاء) حاول كتم غيظه جيدا وهو يتمتم قائما بتثاقل (حاظر أمي )…………….
يعطيك العافيه عبير
متابعينك ان شاءالله
الله يعافيك
مشكوره عالمتابعه
نورتي متصفحي
دمتي بود و بحفظ الرحمن
كانت الأيام التالية لهذا اليوم بمثابة الكابوس بالنسبة ل "عباس" ؛ فقد استغل "جاسم" غضبه المزعوم وراح يكثر من سهراته خارج المنزل؛ فلا يعود الا قبيل أذان الفجر؛ مما زاد من تأزم العلاقة بينه وبين أخوه الأكبر الذي لم يستطع ردع نفسه عن اسداء النصح ؛ والذي يعتبره "جاسم" تدخلا في أموره الشخصية . ومع كل ما عاناه "عباس" مع توأمه؛ انشغل بعض الشي عن موضوع "جنان" ؛ وخاصة بعد اعتماده على ظهور نتيجة مقاله الأسبوعي بالمجلة. ولم يذكره شي بالموضوع الذي تناساه قليلا بسب همومه العائلية سوى حظور "أبو حسين" له بالورشة بعد نشر المقال بيومين؛ كانت تبدو ملامح الارتياح على سحنته وكأن حملا قد انزاح عن كاهله؛ بعد السلام؛ انحنى بتواضعه المعروف ليربت على كتفه بمودة حيث كان منشغلا باعداد خزانة للكتب(لقد قرأت مقالك يا بني ؛ كان رائعا ومؤثرا بدرجة مذهلة ؛ واصل ؛ وفقك الله ) غمرت كلماته "عباس" بالفرحة؛ وحمد الله كثيرا لهذا النجاح ؛ وسأله الصحة التي يستطيع من خلالها تحقيق ولو جزء بسيط من أحلامه السامية . أما "حسين"؛ فقد احتضنه بقوة وانهمرت الدموع على وجنتيه دون أن يحس ؛ وراح يردد بمنتهى الامتنان (لقد فاجئتني يا "عباس"؛ ولا أعرف كيف أشكرك) ربت "عباس" عندها على ظهره وقد غمره التحدي وشدة الاصرار ( هذا ليس كل شي)
ومما زاد سعادة "عباس" أيظا بعد نشر المقال؛ هو قلة خروج شقيقه وسهراته خارج المنزل بشكل ملحوظ. في البداية تعجب الأمر؛ ولكنه سرعان ما أدرك الحقيقة؛ ففي احدى الأيام التي كان عائدا فيها من صلاة العشاء للجماعة بالمسجد ؛ تفاجى بأن غرفته مفتوحة بشكل غريب؛ فأمه تذهب في هذا الوقت لزيارة جيرانها وغرفته لا تحتاج الى تنظيف !! مشى بحذر ناحية الغرفة لعل سارقا قد دخل على غفلة لخلو البيت من أصحابه؛ وعندما تطلع الى الداخل بوجل؛ تبين له ان السارق ما هو الا
شقيقه "جاسم" ؛ والذي كان يعبث بأوراقه بمنتهى التوتر ؛ وكأنه يبحث عن شي ما !! جمد "عباس" بمكانه لهول الصدمة ؛ ف "جاسم" لا يبحث عن النقود ليسرقها ؛ ان هدفه هذه المرة في غاية الخطورة والسرية؛ فما حاجته لحفنة من الأوراق وهو الذي لم يطق العلم يوما وتذرع بأوهى الحجج كي لا يتم دراسته الاعدادية؟؟ هناك سر ما … راقب "عباس" ما يجري بسكون
ودون أن يثير أية ضجة؛ وبعد عدة دقائق من البحث المضني؛ شد "جاسم" اليه مجموعة من الأوراق وهتف بهمس وقد غمرته
فرحة غريبة ( وجدتها !!) وتابع (سحقا لك يا "عباس" ولمقالاتك التي تفسد علي حياتي) وعندها وعى "عباس" بأن مقاله الجديد في خطر؛ فدخل عليه على الفور ؛ وقبل أن يستطيع الايتاء بأية حركة ؛ كان قد اختطف الأوراق من يده بسهولة ورماها على السرير؛ وأمسك بعدها بسترة أخيه مهددا ( أخبرني يا أخي العزيز ما الذي تسببه لك مقالاتي لتتجرأ على دخول غرفتي وتسرقها؛ تكلم على الفور !!) صعق "جاسم" وراح يهذي كالمحموم خوفا على نفسه ( اتركني وسأخبرك بكل شي )
( قل أولا !!) ومع اصرار "عباس"؛ لم يستطع "جاسم " الا الرضوخ والتفوه بالحقيقة ( ان ما تكتبه يفسد علاقتي ب "جنان" ؛ فبعد ان قرأته توقفت عن مراسلتي نهائيا خوفا منها أن يسبب لها ذلك المزيد من الاشاعات..) صرخ "عباس" بذهول مقاطعا (كذاب !! لا يمكن ل "جنان" أن تكون علاقة معك!!) … ( انني لا أكذب ؛ رسائلها التي بخط يدها لا تزال بحوزتي) تطلع "عباس" الى عينيه التي يطل منها الصدق لأول مرة ؛ وقاده الى المجلس حيث يحتفظ بحاجياته الخاصة؛ فتفاجى بصحة ما قال !!!!!!!!!
وفي صباح اليوم التالي؛ استيقظ "عباس" ؛ وقرر تأجيل مقاله الجديد ؛ وشارك بعدها والدته طعام الافطار. سعدت "أم عباس" كثيرا وقربت له البيض والجبن وقالت مشجعة ( نعم؛ هكذا يا بني؛ كل لتقوى عظامك؛ فلبدنك عليك حق!) أيدها ببسمة حانية
( معك حق يا أمي!) وبعد تناوله لما قدمت والدته؛ سكب له كوب من الحليب وراح يرشفه بهدوء ؛ لولا تذكره لأمر ما دفعه للتوقف؛ فراح يسأل أمه (أين "جاسم" ؟؟) تنهدت والدته وقالت بلهجة فاترة مستسلمة ( لقد عاد للسهر مرة أخرى ولا يزال نائما ) ربت على كتفها برفق ( لا عليك يا أمي ؛ سيعقل بيوم ما ) وغادر بعد هذه الكلمات الى عمله وقد اعتزم التحدث مع "حسين" بما يشغله ؛ وراح يطوي الأرصفة وقد شغل نفسه بالتسبيح الى ان وصل لورشته الصغيرة؛ حمد الله وتقدم لمصافحة صديقه الذي سبقه بالحظور ؛ فتفاجى بلهجته الفاترة برد السلام؛ فبادر بسؤاله عن سبب تغيره بمنتهى الصراحة (مابك؟ هل من خطب ما ؟!) حدجه "حسين" بنظرة حزينة وقد أشار لكرسي خشبي بجواره داعيا اياه للجلوس ؛ وابتدر حديثه بغيظ واضح لم يستطع السيطرة عليه ( أخاك المصون هو سبب كل المشاكل التي تمر بنا يا "عباس" ) جمد "عباس" ذاهلا لهنيئة وهتف بداخل نفسه (اذن ؛ لقد عرف !!) أكمل "حسين" مرضحا حين وعى لعمق صدمته قائلا (لقد أوهم أختي "جنان" بأنه يحبها وسيتزوجها ؛ ودون أن تخبرني صدقته لجهلها به؛ وأقامت معه علاقة عاطفية !)نطق كلمته الأخيرة بمنتهى السخرية وكأنها تعليق على حديث سابق خمن "عباس" انه حديثه مع اخته ؛ وأكمل بعدها بأسى ( لسذاجتها راحت تبادله الرسائل وبخط يدها ؛ وبعدها اكتشفت الحقيقة؛ هو من أطلق عليها تلك الاشاعات المهينة !! ؛ وقعت فريسة الحيرة ؛ وخافت من اتهام من يملك بحوزته أخطر الادلة ..) قاطعه "عباس" عندها وهو يخرج حزمة من الاوراق من جيب بنطاله
ويدسها بيد رفيقه قائلا بهمس وقد احمر وجهه خجلا لما سببه شقيقه من ازعاج كبير ( لم يعد يمتلكها؛ بوسعك الآن التصرف معه بما شئت!!) تطلع اليه "حسين" بتعجب؛ غير مصدق ما يجري؛ وبعد فترة من الصمت؛ تبرع "عباس" بازاحة باقي الستار لتظهر الحقيقة كاملة ( كنت سأخبرك ان "جاسم" أخبرني بأمر الرسائل بعد ان اصطدته متلبسا وقد أراد اتلاف مقالاتي ؛
اعترف ان علاقته ب "جنان" قد انتهت بسببها ) أتم عندها "حسين" الطرف الأخير من القصة متنهدا ( هذا كان نوع من المراوغة من قبلها؛ فهي تعرف ان لم تعطه سببا وجيها لتركه ؛ لما تركها وشأنها؛ ولراح يهددها بالرسائل التي "كانت" بحوزته) وشدد على كلمة "كانت" وهو يضم الرسائل الى صدره بفرحة غامرة ؛ وبعدها راح يربت على كتف صديقه مؤكدا ( لا تعتقد يا "عباس" ان ما فعله "جاسم" سيغير من شعوري نحوك؛ بالعكس؛ لقد تصرفت بشهامة عظيمة لتدافع عن سمعة "جنان" ؛ ولا أنا ولا هي سننسى لك ذلك أبدا ) شعر "عباس" عندها بارتياح لا مثيل له وكأن صخرة كانت جاثمة على صدره وانزاحت للتو؛ ونهض من موقعه ليحتظن رفيقه وقد راح يردد بحب غامر ( لن أرتاح حتى أحل هذه المسئلة نهائيا ؛ فلابد ل "جاسم" أن ينال عقابه ) …( أنا وأنت نعلم جيدا ان "جاسم" بعيد عن التوبة كل البعد؛ ان كنت تريد أن تسدي لي معروفا بحق ؛ واصل سلسلتك لتخبر الجميع بما حدث ل "حنان" ( وهو الأسم المستعار ل "جنان" ) فيتعظوا ويكفوا عن رمي الناس بالتهم التي تقشعر لها الأبدان؛ ولا يرضى بها الله ورسوله )…………….
( نهاية الفصل الأول )
استيقظ بعدها على صوت ابنة خاله الصغيرة التي غالبا ما تأتي اليه لتدعوه لتناول وجبات الطعام برفقتهم .._ فكر عباس وهو يتوجه لحمام غرفته ليغسل وجهه بعد ان وعدها باللحاق بها _ ان مقدم خاله وعائلته الصغيرة الى البلاد بعد طول غياب كان بمثابة نعمة وهدية من الله ؛ فلولا حظورهم وتوليهم لشؤونه وشؤون منزله لعانى الأمرين ؛خصوصا وهو الذي يرجع منهكا من الجامعة ولا يقوى على فتح عينيه ؛ بالاضافة لاستبعاد فكرة الخادمة لسببين: الأول هو قلة المال؛ والثاني هو ما جرى من مشاكل وفضائح من أخيه الذي حارب والدته على آخر أيامها لأجل خادمة لا تعترف بمن خلقها … آلمته الذكرى فتجاهلها بالتفكير بمستجدات حياته ؛ فالحمد لله ؛ انه الأن يمتلك عائلة جديدة تعامله بمنتهى الرقة والحب والحنان؛ بل هو _ ودون مبالغة _ كان السبب الرئيسي باستقرارها رغم الظروف الحالية للبلاد . ابتسم بخفة حين تذكر الدور الذي يجب عليه القيام به حال دخوله الى منزل خاله ؛ كانت تلك نصيحة حسين وكانت بمحلها حقا ؛ حيث أشار عليه بتقمص دور الشاب الأحمق الذي لا يفقه شيئا ولا يهتم بما يدور من حوله. في البداية كان مترددا ؛ ولكن الشكوك التي حاصرته دفعته للرضوخ؛ واكتشف مع التجربة انه كان حلا سليما ومناسبا ؛ ناهيك عن الراحة النفسية التي يشعر بها الشخص حين تكون لديه القدرة على اقناع من حوله بمدى ضرافته وخفة دمه !! وبالتالي؛ فقد ساعدته اشاعات الناس وتبادلهم للأسباب التي قادته لهذه الحالة ؛ والتي أبرزها ما جرى لأقرب الناس لديه. حاول التسبب ببعض الازعاج حتى يتسنى لزوجة خاله وابنة خاله الكبرى فرصة التواري خلف الحجاب الاسلامي المنزلي ؛ وفعلا ؛ تناهى الى مسمعه صوت امرأة خاله من المطبخ القريب وهي تقول بترحيب صادق ( تعال يا عباس ؛ الطعام سيجهز حالا ) استرخى على مقربة من ابنة خاله الصغيرة زينب محاولا التشاغل بمداعبتها حتى يأتي الطعام وقد علت وجهه مجددا تلك العلامة الحمقاء (زينب دعيني ألعب معك بهذه اللعبة !) صرخت زينب بشكل طفولي وعنيد أضحكه من الداخل ( لا ! انها ليست لعبة للصبيان ؛ انها عروسة ) استغل ما قالت على الفور حين أبصر دخول لبنة خاله الكبرى منال الى القاعة حاملة بعض الخضار قائلا بطفولية وسذاجة واضحة ( يعني انها عروسة مثل منال ؟؟) لم تستطع كتم ابتسامتها أمام هذا التعليق من ابن عمتها الأحمق ؛ فجلست شبه ناءية وهي تهز رأسها يمينا وشمالا وقد شرعت بتقطيع الخيار ؛ الا ان أمها المشغولة بنقل الأطباق سارعت بتأييده بطيبة وحنان كبيرين على ابن حماتها اليتيم (صدقت يا بني؛ لقد كبرت منال وأصبحت عروسا ) هتف عندها عباس بحماقة وتصابي وكأنه لا يعي حقا لما يقول ( اذن؛ فعرسنا قريب يا زوجة خالي؛ أليس كذلك؟؟) وقبل أن تستطيع الرد؛ كانت منال قد تبرعت قائلة باحتجاج واضح وقد ضمت حاجبيها استنكارا ( ماذا تقول؟! صن لسانك يا عباس !! أنا لن أتزوجك؛ هل جننت ؟!) تلعثم عباس واصطبغ وجهه خجلا دونما شعور؛ وقد وقع كلامها موقع الرصاصة على قلبه ؛ ورسمت الجدية على محياه لثواني ؛ استدارت الأم خلالها لتوبيخ ابنتها بشدة قائلة (أنت من يجب عليه صون لسانه يا منال ! لا تتحدثي بهذه الطريقة مع ابن عمتك !!) وقبل أن ترد منال ؛ دخل والدها من الباب الرئيسي؛ وما ان وقعت عيناه على ابن أخته؛ حتى استرخت قسماته في لطف وألقى السلام ؛ واستقر بعدها بقربه وراح يربت على قدمه دون أن ينبس ببنت شفة. حل الصمت احتراما للطعام؛ وراح عباس يأكل بشهية مفتوحة وبطريقة مضحكة ؛ بينما في الجهة المقابلة راحت منال تتطلع اليه في دهشة وتقزز؛
وفي مساء اليوم التالي؛ وحين كان عباس جالسا في منزل خاله يتسامر مع زينب بعد أداء صلاة الجماعة بالمسجد ؛ دخل خاله الى المنزل وبيده بعض المشتريات التي أوصته زوجته باحظارها وقد تغيرت سحنته وبدى متظايقا الى أقصى حد . لم تتجرأ أم محمد على سؤاله ؛ فأشارت الى منقذها عباس بحركة خفية من يدها ؛ نهض عباس من على الأرض حيث كان يلعب مع زينب وجلس بجوار خاله الذي أسرع في ضمه بيد واحدة؛ فهتف عندها بحماسة ( ما بك يا خالي ؟؟ هل أزعجك أحد ما لأضربه وألقنه درسا ؟؟ أخبرني !!) ابتسم خاله ابتسامة جانبية وكأنه يقلل من شأنه؛ ومن ثم هتف باشفاق وهو يوجه حديثه لزوجته مباشرة ( الدوريات لا تتوقف هذه الليلة؛ ليستر الله !!) تطلعت الزوجة الى زوجها في قلق؛ وراحت تردد آية قرءانية كثيرا ما تذكرها ( وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فهم لا يبصرون ..) بينما استدارت منال المندمجة باحدى البرامج الدينية بمنتهى الاهتمام نحو والدها ؛ وبعدها وجمت واستدارت ثانية الى التلفاز. لاحظ عباس تعبيراتها القلقة ؛ انه يعرف منال جيدا ؛ هناك ما يثيرها بشكل خاص بالنبأ الذي نقله والدها. وكان ضنه في محله ؛ فقد لاحظ دخولها بشكل مفاجى الى غرفتها حيث أوصدت بابه باحكام !! هناك ما يجري مع منال منذ مدة ؛ ولكنه لا يستطيع تخمينه.. تجاهل الأمر بعد ان لاحظ حلول الساعة الثامنة والنصف_ وهي الموعد المحدد لمقابلة رفاق دربه_ (ولعل أهم الأسباب لاختيار هذا الوقت المبكر هو عدم توقع الدوريات لحدوث العمليات بهذا الوقت ) نفذ عباس تخطيطه وتظاهر باللعب مع زينب في الحديقة الخلفية حيث الباب الجانبي؛ فتسلل الى الخارج ببساطة ويسر؛ وانضم الى رفاقه بالمكان المحدد وأخبرهم بما عرف للتو؛ فقرروا تأجيل العملية الى الساعة العاشرة مساءا لتكون الأجواء قد هدأت حينها ؛ فرجع بعدها لمنزله محاولا قضاء وقته بقراءة ما تيسر من القرآن الكريم وقد وقع الخشوع في نفسه موقعا لا يستطيع معه أن يلتفت الى ما حوله؛ حتى لو كان كارثة !!!!………………………
بهذه الأنحاء؟؟) رد "عباس" في لطف مصطنع أجاد تمثيله ( بالطبع لا ؛ فأنا وصديقتي كنا ..) قاطعه الرجل متفهما حين أنكس "عباس" رأسه بحياء ظاهر وقال وقد اتسعت ابتسامته الماكرة ( نعم ؛ نعم؛ لاعليك؛ خذا راحتكما وآسف للأزعاج !!) وانصرف الرجل بعد ان غمزه وقال ( اعتن بها جيدا يا رجل !!) .. كان أصعب ما مر به أن يستدير بعدها للفتاة ؛ ليس قفط لما تفوه به للتو ؛ بل لأنه _ وما ان تكلمت الفتاة وصرخت _ حتى أدرك بأن هذه الفتاة الذكية المناظلة ما هي الا ابنة خاله "منال" !!! وبالطبع لم يستطع أن يكشف حقيقته أمامها وينزع اللثام؛ فذلك يعني افساد خطته السياسية من جذورها؛ ولذلك ظل حائرا ينتظر منها كلمة شكر أو وداع حتى ينصرف لشأنه . أنكست "منال" رأسها بخجل جم ؛ وهمست بعدها بلطف وحياء شديدين ( آسفة يا أخي ؛ لقد تسببت لك بكثير من الازعاج بغبائي وشرودي ..) ولم تدر بما تكمل ؛ فتبرع بالقول بمنتهى الرقة والحنان ( أبدا ؛ كل انسان يمر بهذا المرقف؛ أنا نفسي مررت به ؛ وان كان يدل على شي ؛ فهو يدل على صدق وطنيتك وحماسك الشديدين ) لاحظ ابتسامتها من تحت الخمار _ والذي لم تكن تلبسه حقيقة في القرية مكتفية بالحجاب و العباءة _ فاكتفى بذلك وهم بالابتعاد ؛ غير ان صوتها قد ناداه بتذكير (يا… ؛ الرش !!) كان واضحا من طريقتها انها راغبة بمعرفة اسمه على سبيل الفضول الذي يعرفها به ؛ ولأنه يعرفها؛ لم يتعب نفسه بمراوغتها بل أكد قائلا وهو يتناول رشه ( "عبدالله" ) حتى يكون جوابه صادقا وخاليا من الكذب؛ فهو عبد لله حقا !! شكرته وهي تسرع في اتجاه منزلها (شكرا لك يا "عبدالله" ؛ لن أنسى لك هذا يا أخي ).
قاطع دخول "منال" الى المنزل أفكاره ؛ كانت تحمل كتبها وشنطتها اليدوية الصغيرة وقد علت وجهها علامات التوتر بشكل ملحوظ.. دخلت لغرفتها دون أن تلقي السلام؛ وخرجت بعد ان أدت صلاتها وبدلت ملابسها وارتدت فوقها زيها الاسلامي الذي يلازمها بوجوده الذي لا يطول بسبب مشاغله السياسية ودراسته الجامعية ؛ بالاظافة لعمله عصرا بالورشة ؛ حتى يتمكن من دفع رسوم الجامعة. تجمع الكل على المائدة ؛ وساد الصمت وخيم على المكان في رهبة . لم يستطع "عباس" منع نفسه من التفرس بابنة خاله الكبرى ؛ لقد كبرت كثيرا ؛ لم تعد تلك الفتاة الصغيرة التي تشبثت بسترته بكل قوتها رافضة الابتعاد عنه ؛ ومعلنة بكل طفولية انها لا تقوى على العيش من دونه.. لشد ما تغيرت !! لقد أضفت عليها السنون صبغة جديدة وتحد كبيرين . لازال يتذكر دهشتها واحتقان وجهها الحنطاوي حين قابلته وهو على الحال التي اختارها لنفسه ؛ أو اختارتها الظروف بشكل أصح . لقد لاحظ في ذلك اليوم الانكسار واضحا في عينيها العسلية ؛ وأخذه الغضب أخذا حتى كاد يفصح عن كل شي لولا اصرار "حسين" على أن لا يفعل؛ ووقوفه الى جانبه بتلك اللحظات الصعبة … تنهد بضيق لهذه الذكرى المؤلمة؛ وأنزل رأسه الى طعامه؛ وتفاجى _ ما ان رفعه ثانية _ بنظرات "منال" المحدقة به. لم تنزل عينيها بعدم اكتراث بردة فعله ؛ وواصلت حملقتها الغريبة متفرسة في وجهه. في البداية اعتقد "عباس" انها قرأت أفكاره ؛ ولكنه سرعان ما اكتشف خطأه ؛ "منال" تحدق في عينيه بشكل خاص.. ياالهي !!! صرخ بداخله ! لابد انها لاحظت الشبه بينه وبين منقذها المجهول!! نعم؛ والا لما التحديق المفاجى والطويل بعينيه؟؟ انها عادة لا تنظر الى ظله حتى ؛ انها لم تسلم عليه ولو كمجاملة عندما دخلت الى المنزل !! أنكس رأسه ثانية بشكل متعمد وراح يتشاغل في الأكل ؛ وعندما رفعه ثانية ؛ كانت قد عادت الى طعامها وقد علت وجهها تكشيرة واضحة. شعر "عباس" بحزن تجاهل مصدره وانسحب على الفور من على المائدة واتجه الى حيث المغسلة بالمطبخ وغسل يديه المتسختين بالماء و الصابون؛ وغادر المنزل بعد ان أحدث ضجة مصطنعة صاح فيها (سأغلبك اليوم يا "جوجو" !!) .
صحى "عباس" في اليوم التالي مبكرا ليذهب الى كليته _ كلية الآداب _ وقد شعر بقليل من التحسن بنفسيته . تفائل خيرا وغادر منزله بعد ان نظف أسنانه ومشط شعره الأسود الناعم الى الوراء بترتيب. وبعد ان اصطحب "حسين" ؛ توجه الى جامعته ووصل اليها قبل المحاظرة بنصف ساعة التقى خلالها بباقي أصدقائه وزملائه بالقاعة ؛ فوقف _ برفقة صديقه الحميم_ ليتبادل معهم أطراف الحديث .. كان الحوار دائرا حول تميز بعض الأساتذة في توضيح المواد. صاح "لؤي" محتجا على حديث ل "عبدالله" بمنتهى الحماس (دكتور "وليد" يشرح جيدا ؟ أرجوك !!) أصر "عبدالله" على موقفه بخفة دم معتادة منه قائلا ( لا ؛ دكتور "لؤي" هو من كنت أقصد ! ) ضحك الجميع _ بما فيهم "عباس" _ بخفة على هذا التعليق الساخر؛ ولكن ضحكاتهم اللطيفة تحولت فجأة الى نظرات مندهشة حين وقفت فتاة فجأة بصحبة رفيقاتها على مقربة منهم وصرخت بذهول ودهشة لا توصف ( "عباس" !! ما الذي أتى بك الى هنا ؟؟؟ ) تسمر "عباس" في مكانه ولم يحرك ساكنا ؛ وأدرك متأخرا ان وقوفه بعيدا عن قاعته كان خطأ" فادحا" . لم يلتفت لابنة خاله المصدومة من شدة الارتباك ؛ الى ان أنقذه "حسين" باعجوبة قائلا ل "منال" بلهجة محترمة ( عفوا يا أختي ؛ صديقي ليس من تضنين ؛ اسمه "جاسم" وليس "عباس" !! ) استدار "عباس" الى "حسين" منصدما بكذبته المعلنة . أيده الرفاق وهم يشيرون الى أحدهم اشارات خلفية بعيدا عن نظرات "منال" في نبرات متفاوتة بين المرح والجد ( حقيقة" انه "جاسم" !!) بدت "منال" أكثر اندهاشا وصاحت ثانية بغير وعي ( "جاسم" ؟؟ ابن عمتي؟؟) تماك "عباس" نفسه وقال بشي من الهدوء الزائف ( ابن عمتك بعينه !) تطلعت اليه باحتقار وبعتاب كبير على ما فعله بنظرها ؛ وهو قد فهم ما ترمي اليه على الفور ؛ فقاطع نظراتها بقوله مبتعدا وقد جر "حسين" من يده وبشي من السخرية في لهجته لتشابه لهجة أخيه نوعا ما ( سلمي على خالي العزيز؛ لا تنسي !!!)
لم يستطع "عباس" التركيز أثناء محاظراته؛ نظرات "منال" المحتقرة له صارت تلاحقه كقدر لابد من مواجهته. شعر بأن الحزن أصبح ميزة من ميزات حياته مؤخرا ؛ فها هي همومه تزيد هما آخر ؛ ف "منال" _ بالاظافة لاستهزاءها واستخفافها بشخصيته _ فانها ستضيف الى كل ذلك عتابها واستياءها واحتقارها لأفعال "جاسم" التي غالبا ما يدفع هو ثمنها !! ….
ان أكثر ما يدهشه بكل هذا هو "حسين". انه مصر على الدفاع عن فكرته ودعم استمرارها بأي ثمن. ولو كان "عباس" لا يدرك بأن هذا الاصرار ما دافعه الا حبه و خوفه عليه ؛ لما جاراه في مراوغاته أمام "منال" لدقيقة واحدة !!
بعد انتهاء آخر محاظرة ؛ التقى "عباس" ب "حسين" بقرب القاعة ؛ وما ان رآه الأخير حتى قام يضحك بقوة ؛ وكلما سأله "عباس" عن سبب هذه الضحكات العالية لم يستطع التوقف لثانية !!! انتظر الى أن يفصح عن ما يضحكه بنفسه ؛ وبينما كانا يستعدان للمغادرة ؛ قابلا صديقهما "أسامة" بقرب البوابة الخارجية للجامعة وهو يحتل المقعد وراء مقود سيارته وقد انخرط في ضحك لا ينتهي ما ان وقعت عيناه على "عباس" الذي استنفذ كل ما لديه من صبر واستدار لرفيقه بحنق صائحا (ماذا يجري ؟؟؟) صرخ "حسين" بدوره وقد غلبه الضحك ثانية ؛ وبصورة غير معتادة ( أضنني عرفت لتوي عنك ما لا يرضيني..) وقبل أن يستفسر "عباس" سبقه "حسين" بالقول (هل هربت مع فلبينية ؟؟!!)
(نهاية الفصل الثاني)