فهو قدرها الذي لا مفر منه إلا إلى القبر، وكل النصائح موجهة لصالح الزوج، وكيفية إسعاده وتوفير أسباب الراحة له بعد الزواج، ولم نجد إلى الآن من يهتم بإعداد الزوج للزواج، فلا نجد نصائح موجهة للزوج عن حقوق الزوجة، ولا توجيهات عن كيفية إسعاد الزوجة، أو الحفاظ على مشاعرها.
ربما لأن الكبار مقتنعون أن هذا الشاب المقدم على الزواج قد يكون عمره صغيرا وخبرته ضعيفة، إلا أنه رجل مكتمل الرجولة، وليس بحاجة إلى تلقينه النصائح مثل ما يفعلون مع المرأة، وربما كثرة النصائح الموجهة للزوجة تتم من منطلق النظرة التقليدية التي ترى أن المرأة تحتاج باستمرار إلى من يوجهها لأنها ناقصة عقلا، ومتهورة عاطفة في عرف بعض الآباء والأمهات ، بينما الرجل هو الأقوى والأعقل والأكثر نضوجا.
والغريب في الأمر أنه حتى المناهج الدراسية تسير على هذا المنوال؛ فكل ما يخص الزواج والأسرة هو من شأن المرأة، وهي التي يجب أن تبادر لحماية الأسرة من التفكك، وعليها تتحمل مسؤولية استقرار الأسرة عن طريق القيام بواجبات زوجها وبيتها وأطفالها، ولم نجد شيئا مماثلا موجها للرجل ودوره في الحفاظ على استقرار الأسرة وحمايتها من الخلافات الزوجية، ومن الضياع والتفكك.
وللأسف المناهج الدراسية لم تزل في بعض المواضع تؤيد الثقافة التقليدية، وتسهم في تحجيم دور المرأة؛ فعلى سبيل المثال يوجد في منهج اللغة العربية للمرحلة الثانوية النص العربي التاريخي المشهور حول الوصايا العشر للزوجة، التي قدمتها الأم العربية لابنتها وهي تؤهلها إلى الانتقال إلى بيت زوجها، والتي من أشهرها (كوني له أمة يكن لك عبدا)، وهو نص جميل وعميق يدعو إلى مبادرة المرأة في الطاعة على أمل أن تخلق هذه الطاعة زوجا مثاليا يسعد الزوجة.
لكن قراءة النص وفق الثقافة التقليدية تركز على جملة الشرط، وتتغاضى عن جملة الجواب، وكان الأجمل أن يكون هناك نص مشابه يحث الرجل على المبادرة في إسعاد الزوجة.. وأتذكر هذا النص منذ أكثر من عشرين سنة حينما كنت تلميذة في المدرسة، فقد كان مقررا في منهج اللغة العربية، ومازال صامدا أمام حركات التطوير إلى يومنا هذا..
لم أزل أقرأ تلك الوصايا من باب أنها أدب أسري جميل يستحق القراءة حتى شاءت الصدفة أن أحضر للإشراف على تدريس إحدى الطالبات المعلمات المتدربات على التدريس في المرحلة الثانوية أثناء التربية الميدانية في إحدى المدارس بصنعاء، ولاحظت أن الدرس كان حول ذلك النص، ولفت نظري تحول الحصة إلى جدل حاد بين المعلمة والطالبات، وكانت المعلمة في موقف محرج، فقد حولت الطالبات الموضوع من حصة نصوص أدبية إلى محاكمة للمنهج وللمعلمين وللتربية بصورة عامة.
وبالرغم من صغر سن الطالبات وعدم وجود خبرات الزواج في صفوفهن فقد تحولت مناقشاتهن إلى جدل مثير حول مبادئ العلاقة الزوجية، وكيف يتم بناء الحياة بين الرجل والمرأة حتى تستقر الأسرة؟ ولاحظت أنهن غير راضيات عما تحاول أن تثبته المعلمة من وصايا لطاعة الزوج، وأحببت أن أتدخل لأكتشف مفهوم الفتيات في هذه المرحلة للزواج، فوجدت أنهن لا يقدرن هذا المفهوم ، ولا يؤمن أن هناك زوجا يستحق أن تنفذ الزوجة كل تلك الوصايا من أجله، ومقتنعات أن المنهج يطرح كلاما غير واقعي؛ ومن وجهة نظرهم أنه حتى وإن نفذت الزوجة تلك الوصايا مع الزوج في هذا العصر، فإن الزوج لن يقابل هذا التنفيذ إلا بمزيد من التعالي والتحكم والسيطرة التي ليست من الدين الإسلامي في شيء، لأن الزوج الجديد – كما يعتقدن- سيظن أن الدين شرع الزواج لراحة الزوج ولطاعته هو فقط، وأن المرأة لم تخلق إلا لراحة الزوج وطاعته.
فإذا لم تكن كما تقول هذه الوصايا فهي التي تعاقب وحدها، والزوج -بناء على تلك الوصايا- لا يأتي منه أي تقصير، وحين سألت لماذا يشعرن بذلك الشعور ولم يتعرضن بعد لخبرة الزواج؟ كانت الإجابة الجماعية بأن النماذج موجودة لدى كل واحدة منهن فيما يحيط بها من علاقات زوجية بين الرجال والنساء في أسرهن وأقاربهن وجيرانهن لدرجة أنهن قدمن احتجاجهن على المنهج وأنه يهتم بمشكلات الرجل أكثر من مشكلات المرأة، وأنه يتبنى كل ما يحبه الرجل، ويدخله تحت مفهوم الدين الإسلامي والحفاظ على الأسرة، بينما ما يهم المرأة يكاد يكون مهملا مع أن الأسرة مكونة من الرجل والمرأة، والمرأة هي الأكثر تحملا لمشكلات الأسرة.
وخلال المناقشة تساءل الطالبات بصوت واحد: لماذا لا تكون مثل هذه النصائح موجهة للرجل أيضا؟ !! وفعلا لم تستطع المعلمة الجديدة إقناعهن بما في المنهج، ولم تجد أي مدخل للهروب من الفشل في قيادة الصف، مما استدعى تدخلي بتوجيه الطالبات إلى ترك النص جانبا وإجراء مناقشة ثنائية فيما بينهن تعتمد على العصف الذهني حول حقوق الزوج وحقوق الزوجة واجبات الزوج واجبات الزوجة، فانهمكن في تنفيذ المطلوب، ومن خلال مناقشاتهن اكتشفت أنهن أكثر وعيا بشروط الحياة الزوجية في هذا العصر من كثير من المنظرين الاجتماعيين، فقد وضعن قائمتين بالحقوق والواجبات للطرفين، وربما تصلح معايير لمواصفات الزوج والزوجة القادرين على بناء أسرة مستقرة في عصر العولمة، مما يوحي بأهمية إشراك الطلبة والطالبات في تطوير المناهج فهم أكثر إحساسا بمشكلاتهم وأكثر صدقا في التعبير عن حاجاتهم …فمتى تهتم التربية بواقع الأبناء والبنات؟؟؟
دمتي بخير
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ام علياء
يعطيك العافيه على الطرح ..