منذ زمن بعيد والناس يبحثون عن الذاكرة, وقبل الانتشار الكبير لوسائل الكتابة المحمولة كانت الذاكرة القوية ضرورية لعمل الكثير من الأنشطة.
عقلك ليس حاسبا آليا
يتميز الحاسب الآلي الذي نكتب عليه بذاكرة ضخمة, لكن عقله ضعيف وهذا عكس الإنسان, ومن الخطأ أن نعتقد أن ذاكرتنا تعمل مثل الحاسب الآلي فكم من مرة فكرت ‘يجب أن أتذكر هذا’ ثم نسيته في نفس اليوم؟
من النادر أن نستطيع الكتابة في عقلنا مرة واحدة ونتوقع أن تتذكر هذه المعلومة إلى الأبد.
ولهذا سمي الإنسان إنسانا وذلك لكثرة النسيان, ولهذا كان من امتنان الله على المؤمنين أن يسر لهم حفظ الذكر, {بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم} [العنكبوت: 49].
وكان حفاظ المسلمين آية في حفظ الآيات والأحاديث والأقوال والأشعار, كانت كالنور الرباني في صدورهم وعقولهم, ولهذا لما شكى الشافعي إلى شيخه وكيع سوء حفظه أرشده إلى حفظ نفسه وبصره عن المعاصي, وأنشد قائلا:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي
وقال: اعلم بأن العلم نور
فأرشدني إلى ترك المعاصي
ونور الله لا يهدى لعاصي
نم ذاكرتك:
ستحسن إن شاء الله تقنيات الذاكرة بصورة مذهلة, ولكن لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتحول إلى حاسب آلي, وهذه الاستراتيجيات يمكن أن توصلك إلى أحسن صورة ممكنة, ولكن تذكر أن الحافظة رزق من الله جل وعلا, وهي تختلف من شخص لآخر, وكل ما سنفعله هو تطوير ذاكرتك أنت والاستفادة القصوى من إمكاناتها.
واعلم أنه في بعض الأحيان يكون النسيان جيدا, لكي نتمكن من أن ننسى الآلام والأحزان, وفي بعض الأحيان تؤثر ملكة الحفظ على ملكة التفكير والتحليل.
وهناك وسيلتان لزيادة فعالة الذاكرة:
الوسيلة الأولى: داخلية.
الوسيلة الثانية: استخدام أدوات خارجية مساعدة.
الوسائل الداخلية التي تساعد على تنشيط الذاكرة:
1 قانون التأثير الجماعي:
الكمية التي تذكرها متصلة بشدة بكمية الوقت التي نقضيها في التعلم. وتتأثر الكمية التي تتذكرها أيضا بمزاجك الخاص وخاصة بمستوى قلقك, فإن كان عقلك مليئا بالأشياء المقلقة, فمن الصعب أن تتعلم, ولكي تحسن التعلم فأنت بحاجة إلى تركيز, ولكن بدون قلق, فكل ما تحتاج إليه هو التركيز بدون توتر.
2 التنظيم:
هناك أربعة جوانب للتنظيم تساعدك على تحسين الذاكرة:
أ التقسيم: حتى تستطيع أن تتذكر كمية كبيرة من المعلومات, فمن الأفضل أن تجزئها إلى قطع
صغيرة, ويتضح هذا عند ذهابك للتسوق, فأنت تريد شراء عشرات الأشياء ولا يمكن أن تتذكرها جميعا, ولكن يمكن ذلك إذا قسمتها إلى أقسام, فمثلا أنا أريد شراء كذا من قسم اللحوم, وكذا من قسم الخضار… إلخ, وهذه هي الطريقة المتبعة في كل شيء سواء في الدراسة أو حفظ القرآن أو أي شيء ولكن يجب أن يكون هذا التقسيم مهيكلا.
فنقول مثلا سورة كذا تتكون من عدد من الأرباع هي كذا وكذا… إلخ, وكل ربع ينقسم إلى عدد من المقاطع الواضحة.
ب استخدام المفاتيح: كمن يقول لنفسه هذا الكتاب مكون من خمسة فصول, ويتذكر أربعة بسهولة ويحاول أن يتذكر الخامس, فتكون كلمة خمسة فصول هي مفتاح التذكر.
ج الربط: ربط المعلومات الجيدة بأخرى قديمة مستقرة ومحفوظة, وبهذه الطريقة يمكنك أن تبني مادة تتعلمها بطريقة تسهل عليك تذكرها. فمثلا تقول: شارع النور الجديد هو الشارع الذي يلي مكتبة الإيمان.. وهكذا.
د المعنى: من الأسهل تعلم وتذكر شيء ذي مغزى عن تعلم شيء لا يعني لك الكثير, فمعاني الكلمات يمكن أن تصاغ بعدة طرق.
3 المراجعة:
على العكس تماما من جهاز الكمبيوتر فنحن أحيانا لا نستطع تذكر بعض المعلومات التي تم دراستها مسبقا في لحظة واحدة, فنحن أحيانا ننسى ما سبق تعلمه.
ولقد ثبت بالتجربة أن أكثر طرق المراجعة فاعلية هي أن تراجع سريعا بعد التعلم الشامل, وبعد ذلك نقسم الموضوع إلى مراجعات إضافية منفصلة على فترات متباعدة.
قواعد أساسية للمراجعة:
1 إذا لم تراجع ستضعف ذاكرتك وتقل مثل خط مرسوم على الرمال.
2 أكثر الأوقات فاعلية للمراجعة عندما تشعر أنك ستنسى.
3 إنك تنسى ببطء بعد كل مراجعة؛ لذلك من المهم أن تراجع من وقت لآخر على فترات متباعدة ومنفصلة.
4 شيئان مهمان يجب وضعهما في الاعتبار:
أ إذا بدأت في المراجعة واكتشفت أنك نسيت معظم ما تعلمته, يجب أن تراجع أسرع في فترات متقاربة, أكثر من ذي قبل.
ب إذا بدأت في المراجعة, ووجدت نفسك تتذكر بوضوح لا داعي للاستمرار في المراجعة حيث ستكون مضيعة للوقت.
إن المراجعة بمثابة تلميع الفضة, فالقليل المتكرر من المراجعة ينعش الذاكرة دائما, وتذكر أن المراجعة ليس معناها فقط أن تتلو ما في ذهنك بصوت مرتفع, ولكن يمكنك أن تجعل المادة في ذهنك حاضرة دائما, وطوعا لاستخداماتك, واستخدمها كلما استطعت, والإبحار داخل عقلك كلما استطعت مفيد للغاية مما يجعلك متأكدا من تذكر ما يحويه عقلك, وأيضا يمكنك من ملأ الفراغات التي يمكن أن تتعرض لها الذاكرة, هذا يمكن أيضا أن يجعلك عالما بالأشياء التي يجب التركيز عليها
في المرة القادمة.
وما نريد أن نؤكده هو أن 60% من فترة الدراسة تتم في التعلم والباقي في المراجعة وبعض الناس يستهويهم قضاء معظم الوقت في تعلم الجديد فإنه يبدو سخيفا بالنسبة لهم أن يتوقفوا ليراجعوا شيئا تم دراسته من قبل, وهذه الوسيلة غير الفعالة التي يتبعها معظم الناس في البداية تبدو طريقة جيدة, وبعد ذلك يتضح فشلها حيث يكونون قد نسوا معظم ما تم دراسته سابقا, ويجدون أنفسهم مرتبكين, وغارقين في بحر من الألغاز, لذلك فإن المراجعة البسيطة والدائمة تفيد بشكل فعال حيث إنها تغذي وتنشط الذاكرة, وتدعم ما تم دراسته سابقا, وهذا يساعد على تعلم واستيعاب ما يأتي بعده.
4
الاستدعاء:
لنستعرض مثلا لموقف يواجه مئات الأشخاص يوميا, افترض أنك فقدت ساعتك أو سلسلة مفاتيحك التي كنت تمتلكها أول أمس ولم تجدها اليوم, ولقد بحثت عنها في أماكن عديدة ولكنك لم تجدها. وهدفك هو الاستمرار في البحث.
ولكن عليك اتباع وسيلة أخرى قد تكون أكثر نفعا وهي أن تستلقي على مقعدك مواجها تلك المشكلة, فكر بعمق وإصرار متى كانت آخر مرة رأيت فيها الشيء المفقود, وماذا كنت ترتدي في ذلك الحين, وماذا كنت تحمل في يدك مثلا, ومن كان معك, وماذا فعلت آنذاك, استرسل في أفكارك مع مرور الوقت فإن كنت موفقا فإنك ستدرك أين هو ذلك الشيء, وإن كنت أقل توفيقا فإنك ستكون ضيقت الاحتمالات وحصرتها في مكانين أو ثلاثة بدلا من عشرات الأماكن, فإن كان مثلا فقد في القطار أدركت أنه ضاع إلى الأبد, فلا تضيع وقتك في التفكير هباء… وهكذا.
5 مساعد الذاكرة:
من أنجح الوسائل المستخدمة لإنعاش الذاكرة هي ربط معلومات معينة بجملة أو كلمة من الممكن استخدام حروفها لتذكرنا بجملة أطول أو مواضيع بأكملها, وهناك وسيلة أخرى ألا وهي تحويل الأشياء المملة كالجداول أو الأسماء المعقدة إلى قصة أو شيء ممتع ومسل ليسهل تذكرها.
الخلاصة:
* يمكنك تنمية وتنشيط الذاكرة بإتباع سياسات جيدة وتسمى رياضة تدريب العقل.
* تذكر أن الذي نتذكره يتعلق بشدة بالوقت الذي استهلك في تعلم هذا الشيء.
* لتتعلم بفاعلية عليك بالتركيز بدون قلق أو عصبية أو ضغط نفسي.
* رتب طريقة تفكيرك بالآتي:
جزئ المعلومات إلى أجزاء صغيرة بحد أقصى 7 أجزاء.
استخدم وسائل الربط لتذكرك بما تريد.
اربط المعلومات الحديثة بالقديمة.
اجعل المعلومات الحديثة ذات معنى مقبول في ذهنك.
* استخدم سياسة المراجعة الفعالة, وراجع بعد التعلم الأساسي للمادة, وبعد ذلك قسم المراجعة إلى فترات متتابعة نسبيا.
وأولا وأخيرا, لا تنس قول الشافعي: ‘إن العلم نور وأن المعاصي تذهب نور العقل فننسى’, والشيطان دائما ينسي بني آدم وكلما استولت عليك الشهوات تسلط عليك الشيطان فأنساك ذكر الله وبعدها تنسى كل شيء. والله الموفق.
سلمت يمناك وجزاكالله خيرا