علمي طفلك التبول الإرادي.. بحنان
لا بد لكل أم أن تمر بمرحلة حيرة حين تبدأ تفكر في تمرين طفلها على استخدام الحمام. فهل تبدأ في إجلاس طفلها على القصرية أثناء فترة الرضاعة بمجرد بلوغه سن الأربعين يوما كما أخبرتها والدتها؟ أم تبدأ في سن الستة أشهر كما أخبرتها حماتها؟ أم تترك طفلها حتى السنة الثالثة من العمر كما سمعت من جارتها؟ ثم ماذا تفعل مع طفلها الذي قد تم تدريبه بالفعل إلا أنه ما زال يتبول في سريره أثناء النوم؟ هذه الأسئلة وغيرها الكثير تدور في أذهان كل الأمهات والمشكلة وجود بعض نقاط الخلاف بين المصادر المختلفة التي قد تلجأ إليها الأم للبحث عن إجابة.
ومع أن أطباء الأطفال أنفسهم يختلفون في بعض نصائحهم في هذا الموضوع، فإن هناك الكثير من مناطق الاتفاق التي حين نعرفها نستطيع أن نتوصل إلى أفضل الوسائل للتعامل مع ظروف أطفالنا الشخصية.
متى نبدأ مع الطفل؟
ومن أجل تحديد السن المناسبة لبداية التمرين يجب أن يكون الطفل مستعدا من الناحية الفسيولوجية والسيكولوجية لذلك. فمن الناحية الفسيولوجية، حين يبلغ الطفل الثمانية عشر شهرا من عمره يكون التناسق العصبي/العضلي على العضلات العاصرة التي تمنع نزول البول والبراز قد تم نضجه بحيث يستطيع الطفل بداية التمرين على السيطرة على تلك العضلات. ويكون قد تم أيضا في نفس هذا العمر اكتساء الأعصاب -التي تمر بالمجرى الهرمي الخارج extra-pyramidal tract بالغمد النخاعي myelin – الذي أيضا ينتج عنه مزيد من القدرة على السيطرة على الأجهزة المزودة بأعصاب هذا المجرى، وهو ما يؤدي إلى القدرة على السيطرة على التبول والتبرز.
إذن فمحاولة تدريب الطفل على التبول والتبرز الإرادي قبل سن الثمانية عشر شهرا يكون هباء منثورا؛ حيث إن الطفل قبل هذه السن لم يكتمل جهازه العصبي بعد. وهنا قد تندفع بعض الأمهات بالقول بأن ابنها فلان قد تم تدريبه قبل هذه السن بكثير، إلا أن الرد عليها يكون أن قدرة الطفل الحقيقية على التحكم في عملية التبرز والتبول تظهر في قدرته على معرفة احتياجه لدخول الحمام وإبلاغه لأمه بذلك ثم في قدرته على التحكم في العملية بأسرها، وليس كما تفعل الكثير من الأمهات من إجلاس أطفالهن على القصرية في أوقات معينة من النهار وبالتالي مجرد "تلقي" البول والبراز، حيث ينبغي أن يتوفر عنصر الإرادة لدى الطفل.
الاستعداد النفسي للطفل والأسرة
هذا يجعلنا نتناول الاستعداد النفسي لدى الطفل لخوض تجربة التمرين على السيطرة على عمليتي التبول والتبرز. حيث يختلف الأطفال في السن المناسبة من الناحية النفسية لبداية التمرين. فقد لا يتوافق سن الاستعداد الفسيولوجي مع سن الاستعداد النفسي.
ومن الأمور التي ينبغي مراعاتها وملاحظتها لتقييم استعداد الطفل النفسي للتمرين هي:
أن يكون في مرحلة استقرار نفسي داخل أسرته، ولا تبدأ الأم التدريب في مراحل ضغط من حياة الطفل كأن تكون الأسرة في فترة انتقال من مكان إلى آخر، أو أن تكون الأسرة قد استقبلت مولودا جديدا.
أن يكون قادرا على استيعاب ما تطلبه منه الأم.
قادرا أيضا على التعبير عن رغبته للقيام بالتبول أو التبرز.
أن تتوافر لدى الطفل الرغبة في إسعاد والديه عن طريق تلبية مطالبهما.
بالإضافة إلى رغبته في اعتماده على نفسه في أموره الشخصية، وإظهاره أيضا لضيقه من الكوافيل غير النظيفة الملامسة لجسمه ورغبته في أن تنظفه والدته.
قدرة الطفل على التحرك نحو الحمام أو القصرية منفردا وجلوسه عليها بثبات.
يذكر هنا أن استعداد الأسرة لخوض هذه التجربة لا يقل أهمية عن استعداد الطفل نفسه؛ حيث لا بد أن تكون الأسرة مستعدة لتحمل عناء التنظيف وراء الطفل حين يسهو عن إبلاغهم برغبته دون إظهار علامات الضيق والعصبية. فلا بد من توفير جو مريح ومشجع للطفل في هذه المرحلة. وينصح أطباء الأطفال الأمهات أن يتراجعن عن عملية التدريب لمدة قد تتراوح بين الشهر والثلاثة أشهر إذا اتضح عدم استعداد الطفل بعد أسبوع كامل من المحاولة معه.
البنات أسرع تعلما من الأولاد
يذكر أن بحثا جديدا نشر الأسبوع قبل الماضي في الدورية العلمية التابعة للأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال والمعروفة باسم Pediatrics، قد وجد أن أغلب الأطفال لا يتقنون السيطرة على عمليتي التبرز والتبول إلا بعد تجاوزهم السنة الثانية من عمرهم، كما أثبت ما تعرفه الكثير من الأمهات من تمكن البنات من إتقان جميع المهارات الخاصة بذلك قبل الأولاد. وقد حدد البحث متوسط عمر الأطفال الذي يتم فيه عملية التحكم بين سن 24 إلى 30 شهرا.
التبول اللاإرادي.. مقلق الأمهات
ومع كل هذا، فإن الكثير من الأطفال يعانون مما يعرف بالتبول اللاإرادي، وهو ما يقلق الأمهات. ومن أجل طمأنة الأمهات فلا بد من ذكر أن الكثير من الأطفال يعانون من التبول اللاإرادي كجزء طبيعي من عملية نضجهم وتكوينهم. فحسب الإحصائيات المرصودة في هذا المجال فإن التبول اللاإرادي يختفي في الأطفال بعد سن الخامسة بمعدل 15% من الحالات كل عام. وذلك حيث يعاني 10% من الأطفال في سن الخامسة من التبول اللاإرادي بشكل طبيعي وفي بعض الإحصائيات تصل تلك النسبة إلى 20% ثم 5% من الأطفال في سن العاشرة و1% من الشباب في سن الثامنة عشرة. يذكر أيضا أن التبول اللاإرادي منتشر بين الأولاد بمعدل مرتين عنه في البنات.
أما عن أسباب التبول اللاإرادي الليلي فهي:
نمو ونضج جسماني أبطأ لدى الطفل: حيث قد يكون سبب التبول اللإارادي الليلي بين عمري الخامسة والعاشرة هو قلة سعة المثانة أو طول فترات النوم أو عدم نضج جهاز الإنذار داخل الجسم الذي ينذر بامتلاء المثانة وبداية تفريغها. هذا النوع من التبول اللإارادي يختفي حين ينضج جهاز الإنذار لدى الطفل أو تزيد سعة مثانته.
نوم الطفل نوما عميقا لا يستطيع أثناءه الإحساس بامتلاء مثانته.
زيادة إنتاج البول أثناء النوم: عادة ينتج الجسم الهرمون المضاد للتبول anti-diuretic hormone بشكل أكبر أثناء فترات النوم والذي يقلل من عملية إنتاج البول في هذه الفترة. إلا أن بعض الأطفال لا ينتجون كميات كافية من هذا الهرمون، وهو ما يؤدي إلى زيادة إنتاج البول ليلا. يبدأ إنتاج كميات مناسبة من الهرمون تدريجيا مع تقدم عمر الطفل.
التوتر العصبي: مثل الذي ينتج عن ظروف أسرية غير مستقرة أو غضب الوالدين أو قدوم مولود جديد. يذكر أن التبول اللاإرادي في حد ذاته قد ينتج عنه توترا عصبيا للطفل، وهو ما قد يزيد من المشكلة إذا لم تتعامل الأسرة معها بلطف وحكمة.
الوراثة: اكتشف علماء هولنديون عام 1995 موقعا على الكروموسوم 13 اتضح أنه مسئول جزئيا عن التبول اللاإرادي الليلي. وتوصل فريق العلماء إلى أن الطفل الذي عانى أحد أبويه من التبول اللاإرادي الليلي يكون احتمال إصابة الطفل بنفس المشكلة 44%. أما إذا عانى الأبوين معا منه فاحتمال إصابة الطفل تصل إلى 80%.
الاختناق النومي الانسدادي: الذي قد ينتج عن تضخم اللوز أو الزائدة الأنفية adenoids. وفي هذه الحالة يكون التبول اللاإرادي الليلي عرض من أعراض الحالة.
أسباب عضوية: كوجود عيب خلقي في عمود الطفل الفقري المعروف باسم spina bifida، وهو ما ينتج عنه تلف بالأعصاب، وبالتالي إلى التبول اللاإرادي أو وجود عائق عضوي بالمثانة أو مجرى البول، وهو ما ينتج عنهما زيادة امتلاء المثانة، وبالتالي إلى تسرب البول.
أسباب مرضية: كإصابة الطفل بمرض السكر أو بالتهابات بالجهاز البولي.
يذكر أن 1% فقط من حالات التبول اللاإرادي الليلي يمكن إرجاعها إلى أسباب مرضية أو عضوية معينة.
كيفية التعامل مع التبول اللاإرادي الليلي
أهم نصيحة لأي أم هي عدم القلق من وجود هذه الحالة والتعامل مع الطفل بلطف وحب؛ حيث إن زيادة التوتر قد ينتج عنها زيادة تفاقم المشكلة. وينبغي على الأم الاهتمام بعدم شرب الطفل لكميات كبيرة من السوائل قبل النوم خاصة السوائل التي تحتوي على مادة الكافيين المدرة للبول مع ملاحظة عدم ترك الطفل عطشان، ومع العلم بأن هذه الخطوة ليست من الأهمية التي يعتقدها الكثيرون؛ حيث إن عملية تكوين البول يتم على ما شرب على مدار عدة أيام وليس على مدار عدة ساعات فقط، هذا بالإضافة إلى إدخال الطفل إلى الحمام قبل النوم وإيقاظه من النوم عدة مرات ليلا من أجل التبول.
ولا يجد أطباء الأطفال مانعا من ارتداء الطفل كافولة أثناء النوم في حالة تقبل الطفل لذلك؛ حيث إنه لا ينبغي علينا معاقبة الطفل بتركه مبلولا أثناء النوم. وقد تنجح في بعض الحالات الوسائل التحفيزية التي تشجع الطفل كلما استيقظ من النوم صباحا دون بلل كإعطائه مكافئة ما أو وضع نجمة على لوحة شرف لكل ليلة ناشفة.
هناك أيضا بعض التدريبات التي قد تنفع الطفل كتدريبه أثناء النهار على إطالة الفترات بين دخول الحمام، من أجل زيادة سعة المثانة أو مطالبة الطفل بمحاولة إيقاف سير البول أثناء عملية التبول في الحمام عدة مرات من أجل تقوية العضلة العاصرة.
وفي النهاية نهمس في أذن كل أم مطلوب الحنية والصبر أثناء تعليم طفلك التبول الإرادي وستسعدين بالنتائج.
man9ol lilifada