رحلتي الهنية إلى مدينة أبها البهية عام 1997
د . عدنان جواد الطعمة
سافرت إلى مدينة الرياض العامرة بدعوة خاصة من صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل في شهر ديسمبر عام 1996 حاملا معي ما جمعته من معلومات و مصادرعن الشعر النبطي ، لغرض
معالي السفير ألأسبق المرحوم السيد عباس غزوان في بون
ترجمة قصائد الأمير إلى اللغة الألمانية . وقد إخترت من دواوين الشعرية لصاحب السمو الأمير خالد الفيصل عناوين ستين قصيدة كانت محببة جدا إلى نفسي كتبتها في قائمة .
سيادة الملحق الثقافي الأسبق الأخ الدكتور راجي العتيبي
و بعد الإتصالات الهاتفية و عبر الفاكس تشرفت بزيارة سمو الملكي الأمير خالد الفيصل في الرياض و استقبلني سموه برحابة صدر و غمرني بطيبته و كرمه . ثم دار الحديث بيننا حول طريقتي للترجمة و ربما احتجت إلى شخص يرشدني و يشرح لي كلمات القصائد التي اخترتها .
مسجد المرحوم الملك فيصل في أبها
كما رجوت صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أن يؤشر بعلامة صح على كل قصيدة من تلك القائمة و أخبرت سموه بأنني سأترجم ثلاثين قصيدة منها .
سمو الأمير الملكي خالد الفيصل يشرف على أعمال العمال و لجنة تنظيم البناء
كنت أذهب مرارا إلى الأخ الأستاذ الدكتور عبد الله بن صالح العثيمين في مركز الملك فيصل للدراسات و البحوث الإسلامية و كان يزورني أيضا في فندق الخزامى الأخ اللواء المتقاعد عبد القادر
كمال عصرا لشرح كلمات الشعر النبطي . و بعد شهر عمل متواصل من إقامتي في الرياض عدت إلى ألمانيا و بدأت بالترجمة ليل نهار حال وصولي .
أقمت في فندق الخزامى طيلة 31 يوما و تمتعت كثيرا بزيارة مركز الملك فيصل و مكتبات الرياض كمكتبة دارة عبد العزيز ومكتبة الملك فهد الوطنية و حضرت مناسبة رائعة لتوزيع جائزة الملك
سمو الأمير الملكي خالد الفيصل يشرف على تنظيم قاعة الإحتفال
فيصل على الفائز تحت رعاية المغفور له سلطان الخير و صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل . كما حضرت إحتفالات الجنادرية و زرت بعض معالم مدينة الرياض .
و بعد عودتي إلى ألمانيا بدأت بالترجمة لعدة شهور ، فلم أكتف بترجمة 30 قصيدة بل قمت بترجمة أربعين قصيدة بعد إستشارة وأخذ موافقة سمو الأمير خالد الفيصل تليفونيا او بالفاكس .
غرفتي في فندق الخزامى بأبها البهية
أخترت صور لوحات الأمير وأرسل بعضها لي بالبريد الجوي . وعندما انتهيت من تصميم الكتاب و التنضيد واختيار صور الرسوم واللوحات بعثته إلى سمو الأمير الملكي خالد الفيصل للإطلاع
هذه الصورة إلتقطتها لمركز مدينة ابها مع فندق الخزامى
والمراجعة و تصحيح الأخطاء وكتابة العنوان الملائم لهذا الكتاب الذي صدر فيما بعد باللغتين الألمانية و العربية بعنوان : قصائد حب.
دور السكن للضيوف والسائحين الزوار
بعد جهد طويل و متابعة الترجمة و تنضيد الكتاب و الإشراف على الطباعة تم و لله الحمد في مطلع عام 1997 صدور كتاب الأمير خالد الفيصل باللغتين العربية و الألمانية مزينا بلوحات الأمير الرائعة بالألوان الزيتية و بعض الرسوم باللون الأسود التي اخترتها ، بعنوان : قصائد حب
أخبرت سمو الأمير خالد الفيصل بصدور الكتاب فوجه لي دعوة للإشتراك في إحتفالات إفتتاح المشاريع السياحية في منطقة عسير و مدينة أبها البهية في الشهر الرابع عام 1997 .
سمو الأمير الملكي خالد الفيصل يقرأ طلب احد المواطنين لحل مشكلته
إقترحت على سيادة السفير السعودي المرحوم السيد عباس غزوان آنذاك في بون قبيل توجهي إلى أبها ، بأن يدعو سمو الأمير خالد الفيصل لإحياء أمسية شعرية له في بون فقال لي إطرح الفكرة على سمو الأمير .
منظر الطبيعة و الجبال الجميلة
ولدى زيارتي الأولى لصاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل في أبها إقترحت على سموه هذه الفكرة ، حيث رحب بها و قال : "لدينا أعمال كثيرة إن شاء الله فيها الخير " .
زيارتي للحبلة بواسطة التلفريك
وبعد عودتي إلى ألمانيا بأشهر تفضل صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل إلى بون لإحياء أمسيته الشعرية و إقامة معرضا للوحاته الفنية .
ألقى سمو الأمير خالد الفيصل قصائده الرائعة الغناء و كنت جالسا بقرب سيادة السفير الكويتي السيد الأخ عبد العزيز الشارخ في الصف الأمامي . دار الحديث بيني و بين معالي السفير السيد عبد العزيز الشارخ حول أمهات القصائد في كتاب الأمير و قد وقع خيارنا على قصيدة " لا هنت "
منظر بديع لوادي ابها
المحببة لنفسي أيضا لما فيها من مشاعر كريمة و أحاسيس الشاعر وهو يخاطب والده المرحوم الملك فيصل بن عبد العزيز ، حيث طلب الأخ عبد العزيز الشارخ من الأمير أن يلقي على أسماعنا هذه الرثائية :
لا هـــنــت
لا هـنـت يا راس الـرجـاجـيـل لا هـنـت
لا هـــان راس فـي ثـرى الــعـــود مــدفــون
والـلـه مـا حـطــك بالـقـبـر لـكــن آمـنـت
بـالـلـي جـعـل دفـن الـمـســلـمـيـن مـسـنون
مـنـزلـك يـا عـــز الـشــــرف لــو تـمـكـنـت
فوق الـنـجـوم الـلـي تـعـلـت عـلـى الــكـون
ســكـنت دار الـمجد ياشـيخ واسـكـنـت
شـــــعــبـك مـعـك فـي مـنـزل الــعـز مـمـنـون
صنت الـعـهـد يا وافي الــعـهد ما خـنت
عــلــمــتـهـم وشــــلـون الاشـــــراف يـوفـــون
كـم ظـالـم عـاداك واعـفـيـت واحـسـنـت
واخـــلــفــت ظــن جــــمــوع ناس يـظــنــون
شــــلـت الأمـانــه حــافــظ مــا تــهــاونـت
شــــفـنـا بـك رجــال عـلى الــنـفــس يـقــوون
يـالـلـي طـلـبـه الـمــلـك بـالـحـب زيــنـت
عـرشـك بـتـاج قـلـوب شــعـب يـحـبــون
لــونـت تـاج الــمــلـك مــا قــد تــلـــونـت
مــاغــرتـك دنـيـاك مــا صــرت مــفــتــون
بـالـزهـــد والـمـعـروف والـصـــبـر كـــونـت
مـنـهاج فـيـصـل مـنـهـج الـلي يـعـدلـون
تـلـفــتـت روس الـمـخــالــيـق ويـن انـت
ويـن الـعـظـيـم و عود الـشـوف مطـعـون
كــم خـافـق وقــف عــقــب مـا تـكـفــنـت
وكــم نــاظــر ذوب ســــواداه مــحـــزون
لـو شــفـت حـال الـنـاس عـقـبـك تـبـيـنـت
مــقــدار حــب الــنــاس لـلـــي يــــودون
الأخ المضياف في الحبلة يقدم لنا القهوة العربية اللذيذة
و بعد هذه الرثائية استمعنا إلى إلقاء الأمير خالد الفيصل لبقية القصائد التي نالت إستحسان الحاضرين و المستمعين . و كان بعض الوزراء الألمان و الديبلوماسيين العرب و الجالية العربية
جلسة جميلة مع الأخوين عبد الله الشهري و المسؤول عن التلفريك
مدعوين إلى هذه الأمسية الشعرية . و من حسن الصدف شاهدت أحد الوزراء الألمان السيد ميشنك و هو يحمل كتاب الأمير ، فدار الحديث بيني و بينه حول القصائد و الترجمة ، فأجابني بأنه معجب بها جدا .
الأخ عبد الله الشهري يتوسط الإخوة في مرزك السياحة في الحبلة
أعود بكم إلى أمسيتي في نادي أبها الأدبي ، حيث انطلقت بإلقاء المحاضرة و القصائد التي استمرت ساعتين و أربعين دقيقة .
حدثني الأخ الكريم عن منافع أوراق بعض الأشجار في غابات الحبلة لعلاج الجروح
و من القصائد الرائعة التي ألقيتها كانت قصيدة " لا تسألوني " التي اعتبرتها لوحة فنية من لوحات الفنان الأمير خالد الفيصل ، وقد أعجب بها الألمان عندما ألقيتها على أسماعهم في أمسياتي الأدبية في ألماني:
في ضيافة الإخوة في مركز السياحة في أعالي الحبلة
لا تـسـألـونـي
لا تـســألـونـي لـــيــــه أنــا عـاشـق خـزامـى مـسـتـهـام
إذا عـــــرفـــــــتـــــونـي أنــا تـدرون وش ســر الـغــرام
* * * *
أصـلــي أنـا بــيــتــي شــعـر و الـبـر هـو ديـرة هـلــي
فرشي ثرى و سقفي سـمـا و تـرابــهــا غــالــي عـــلــي
* * * *
أشـفـق عـلـى خـزة ظـبي في طعس من فوق الغدير
ومـشــاهـدة سـرب الـقـطـا مـن روض لـلـثـانـي يـطــيـر
* * * *
الله على شمس المغـيب واللـيل إلـى نـسـنس هواه
الــضـو تـقـدح بـالـجـمـــر والـنـجـم يـقـدح في سماه
* * * *
الإخوة الأعزاء مع الأخ عبد الله الشهري في أعالي الحبلة
قال الأمير خالد الفيصل في إحدى أمسياته الشعرية أن الإنسان يعيش و إلى أن يموت لم و لن يقابل روحه ، و هذا سر من أسرار الخالق عز وجل ، فلنقرأ معا هذه القصيدة :
يـا روحــي
يـا روحــي أحـيــا بـك وحـنـا غـريــبــيــن
مـاني بـشـوفك وانت يا روح ذاتـي
في داخلي واشـكي معك لوعة الـبـيـن
بـعــيـد عـنـي وانت نـبـضـــة حـيـاتـي
يـا لـحـظـتـي لـو الـزمن بـيـنـنـا ســـنــيــن
ويـا مـنـوتـي لـو مـا حصـل لي مناتي
صــوتي تـقـطـع فـي فــلاة الـمـحـبــــيـن
وشــوقـي تـبـدد مـع ســراب الــفــلاة
لا واهني من هم عـلـى الـما مـقـيمـيـن
وانـا يـبـس صـوت الـرجـا في لـهـاتي
أهــيـم فـي صــحــرا عــديـمــة عــنـاويـن
مــتــاهــة خـلــو الـشـــجـر و الـحـصــاة
اللـيـل يوحش والضحى يـجـرح الـعـين
والـحزن يكـتب من عـذابي غـنـاتـي
أمــنـي عــيـوني مـن الـحــيـن لـلــحـيـن
عـسى الـفـرج مع طلـعة الصـبـح يات
يـا طـاغـي الـفـتـنـه مـن الـراس لـلـقـيـن
يـا لـيـتـي اسـتـر لـوعـتي فـي عـبـاتـي
لقطة في داخل عربة التلفريك فوق وادي الحبلة إلتقطها لي مشكورا الأخ عبد الله الشهري
و من القصائد الغراء التي تحمل في طيات معانيها التجارب و النصائح و الفلسفة والعبر هي قصيدة " من بادي الوقت " :
مـن بـادي الـوقـت
مـن بـادي الـوقـت هـذا طـبـع الايـامـي
عـذبـات الايـام مـا تـمـدي لــيـالــيــهــا
حـلـو الـلـيـالـي تـوارى مـثـل الاحـلامـي
مخطـور عنــي عجاج الوقت يخفــيـهـا
أسـري مـع الـهـاجـس الـلـي مـا بـعد نامي
واصـور الـمـاضـي لـنـفـسـي واسـلــيـهــا
أخـالـف الـعـمـر أراجـع سـالـف اعـوامـي
وانـوخ ركـاب فـكـري عـنـد داعـيـهــا
تـدفـى عـلـى جـال ضـوه بـارد اعـظـامـي
والـمـا يـسـوق بـمـعـالـيـقـي و يـرويـهــا
إلـى صـفـالـك زمـانـك عـل يـا ظـامـي
إشـرب قـبل لا يحوس الطين صافـيهـا
الـوقـت لـو زان لـك يـا صـاح مـا دامـي
يـاســرع ما تـعـتـرض دربـك بـلاويـهــا
حـتـى ولـيـفـك و لـو هـيـم بـك هـيـامـي
ســـيــور الايـام تـجـنح بــه عــواديــهــا
حركة السحب والغيوم السريعة فوق أبها والحبلة
ومن ذكرياتي الجميلة التي مررت بها و عشتها في المملكة العربية السعودية التي بقت وستبقى خالدة في الذاكرة و الوجدان و أسعد كثيرا عندما أتذكرها .
لقطة أخرى لمرتفعات الحبلة
إن زيارتي الأولى لصاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل في الرياض عام 1996 ذكرتني بأول رحلة قمت بها إلى المملكة العربية السعودية في مطلع الثمانينات أعتقد عام 1983 حيث قام رجل الأعمال السعودي الكبير و الأديب الشيخ الأخ أحمد الهوشان حفظه الله بدعوتي لمدة أسبوعين في الرياض و الذي ترجم أحد الكتب الصينية النادرة في فن الحرب لمؤلفه صن تزو عن اللغة
بائع العسل الأخ الكريم الذي أهدى لي مشكورا علبة عسل لذيذ من ابها البهية
الإنكليزية الذي ذكر في إهدائه لي بتاريخ 31 / 12 / 1990 بأنه طبع من هذا الكتاب فقط عشرون نسخة و حرص أن تكون كل واحدة منه لدى من يحبه ، و هذا شرف عظيم لي .
إن هذا الكتاب أعتبره نسخة فريدة و نادرة لسببين أولهما لأنها أهديت لي من أخ عزيز و هو الشيخ أحمد الهوشان و ثانيهما لأن طبعته قليلة بالإضافة إلى القيمة الفنية و التاريخية للكتاب وكذلك من ناحية المضمون و الأسلوب الرائع للترجمة .
مدير متحف أبها مع الأخ السائق الذي رافقني إلى البحر الأحمر للسباحة
و من خلال أحاديثي الشيقة مع الأخ أحمد الهوشان وبدعم منه قررت السفر إلى جدة ثم مكة المكرمة لإداء العمرة . و بالفعل إتصلت هاتفيا في حينه برجل الأعمال السعودي في جدة الذي كان يراسلني دائما ، و هو الشيخ عبد المجيد شنكار . و أخبرته بأني عازم على إداء العمرة و زيارة المدينة المنورة فقال لي : أبشر يا دكتور .
توجهت بالطائرة و بشغف إلى جدة حيث استقبلني محاسب شركته و نقلني إلى بيت الأخ الشيخ عبد المجيد شنكار الذي رفض أن أنام في الفندق . ثم درسنا الموضوعات و المشاريع التي كان السيد شنكار يرغب تحقيقها . و علمني الأخ عبد المجيد شنكار مراسيم العمرة
و جلب لي الملابس الخاصة و توكلت على الله في اليوم الثاني و توجهت إلى مكة المكرمة . و بعد الصلاة و تأدية العمرة شربت من ماء زمزم ما فيه الكفاية و ارتويت فلم أجد لحد هذه اللحظة ماءا
أثناء التدريب على العرضة
لذيذا منعشا مثله . عدت إلى بيت الشيخ عبد المجيد شنكار حفظه الله ، فرأيته كان ينتظرني .جزاه الله خير الجزاء .
و بعد العشاء ذهبت الى غرفة النوم ونمت ،وكانت تلك الليلة من أجمل ليالي العمر .
مع الأخ الكريم شيخ إحدى القبائل الكريمة الذي أراد دعوتي فاعتذرت له شاكرا بسبب سفري غدا
قام الأخ الفاضل عبد المجيد شنكار بالإتصال بالشيخ بن صقر في المدينة المنورة و أخبره بأني قادم لزيارة مسجد وقبر النبي صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم .، حيث استقبلني أحد الإخوان السائقين يمني الجنسية و قال لي ان الشيخ بن صقر سينتظرنا ظهرا في أحد الفنادق الراقية لتناول طعام الغداء بعد إداء الصلاة و زيارة مسجد الرسول و المناطق الأثرية و قبور الصحابة و أهل البيت رضوان الله عليهم جميعا في البقيع .
تأدية العرضة إحتفالا بحضور المغفور له سمو الأمير الملكي سلطان الخير بن عبد العزيز آل سعود مع سمو ألأمير الملكي خالد الفيصل ومئات الضيوف لإفتتاح المشاريع السياحة في أبها البهية
وبعد تأدية مراسيم زيارة المسجد النبوي الشريف و أداء الصلاة و زيارة البقيع ذهبنا في الوقت المحدد إلى الفندق الضخم ، لا أتذكر إسمه ، قدم الشيخ بن صقر مبتسما و حياني بكل طيبة و حفاوة ،
رقصات وقفزات و أهازيج وإيقاعات ألحان رقة العرضة الرائعة
و كان عمره آنذاك أكثر من 70 سنة . ثم تبادلنا الأحاديث المختلفة عن بناء و تعمير المدينة المنورة و اتساعها و عن التجارة و غير ذلك من الأحاديث اللطيفة .
فوجئ الصبي عندما سلمت عليه وكلمته بالعربية فابتسم لأنه كان يتصورني أني لست عربيا وظل يرافقني طيلة الوقت ، ربي يحفظه و يخليه
أخبرني الشيخ بن صقر بأنه سيبني مسجدا في المدينة المنورة فباركت له هذه الخطوة المباركة ، و قلت له بما معناه : " من يعمر مساجد الله فإنها من تقوى القلوب " .
كانت ملامح الطيبة و الهدوء و الكرم ترتسم على محياه ، فأحببته مثل أبي . و أعطيته عنواني و أخذت منه عنوانه و تراسلنا مرتين أو ثلاث مرات ثم انقطعت أخباره عني .
فإذا كان الشيخ بن صقر حيا يرزق فإني أحييه من الأعماق ، و إذا وافته المنية لا سمح الله فإني أدعو الله سبحانه و تعالى أن يدخله فسيح جناته و يرحمه برحمته الواسعة .
و بعد توديعنا ذهب الشيخ بن صقر إلى المدينة وطلبت من الأخ السائق أن يوصلني إلى المطار . و هكذا عدت إلى جدة بنفس اليوم . و في اليوم الثالث أو الرابع غادرت جدة عائدا إلى ألمانيا مع جملة رائعة من الذكريات .وللشيخ عبد المجيد شنكار أطيب تحياتي وخالص شكري على حفاوته الكريمة .
وفي زيارتي الأولى لصاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أيضا حدث شيئ لطيف لن أنساه أبدا .
إتصلت هاتفيا من الرياض بهيئة تحرير مجلة القافلة الغراء في الظهران ، بأني عازم على زيارة المجلة و التعرف على هيئة التحرير لأني كنت سابقا أنشر فيها مقالاتي المتعددة .
و بعد أن حدد رئيس التحرير آنذاك الأستاذ الأخ عبد الله خالد الخالد الموعد ، طلبت من الأخ عبد الله شهري أن يحجز لي تذكرة السفر إلى الظهران ذهابا و إيابا . وقد تمت الرحلة إلى الظهران و كان
الأخ عبد خالد الخالد ينتظرني في المطار و أخذني إلى داره و بعد تناول الغداء طلبت منه زيارة ما يمكن زيارته من المدن الشرقية .
سافرنا عصرا بسيارته إلى القطيف فوجدت على جانبي شارع المدينة بساتين و نخيل عامرة و رأيت إما نهرا صغيرا أو جدولا أو ساقية عريضة لسقيي البساتين بالمياه . وفي وسط المدينة
على رنة الإيقاعات أديت العرضة الجميلة
شاهدت عينا نقية للمياه محاطة بسور واطئ للحفاظ على الأطفال . ثم دخلت مع الأخ عبد الله الخالد أحد البساتين اليانعة فوجدت فيها ما عدا النخيل أشجارا مختلفة للفواكه و بضمنها المانجو .
لقطة تذكارية مع الأخوين
شكرت الفلاحين في البستان و ذهبنا إلى سوق المدينة لشراء بعض الهدايا لزوجتي الألمانية و الأصدقاء الألمان . و فجأة شاهدت في أحد المحلات راديو على شكل ناقة أو بعير ، أجلكم الله ،
لقطة تذكارية مع الفنان أو المطرب الذي كان يردد أغاني وأهازيج العرضة بصوت رائع
و سلمت على صاحب المحل و سألته عن سعر الراديو . فسألني عما إذا كنت عراقيا ، فأجبته بنعم . لأنه كما بدا لي عرف لهجتي العراقية . قلت اريد هذا الراديو كم سعره ؟
إلقاء محاضرتي حول شاعرية الأمير خالد الفيصل في نادي أبها قبيل سفري بليلة واحدة
مساء 29 أبريل 1997
فرفض أن يأخذ مني ثمنه ، و قال لي هذا هدية مني لك . فقال لي :
و الله يشهد على ما اقول ، ان كل معروضات المحل تحت تصرفك . و بعد مناقشات طويلة إستسلمت للواقع وأحرجني كثيرا و شكرته على كرمه .
و هذا الراديو لا زال موجودا أمامي بالقرب من شاشة الكومبيوتر و منظره رائع يمثل الأصالة العربية و الكرم . و كل يوم أتذكر طيبة أهالي المنطقة الشرقية و كل المناطق التي زرتها في المملكة العربية السعودية .
حدثني المرحوم والدي أن مدينة القطيف أصيبت قبل عقود من السنين بمرض الطاعون ، فعلق أهالي المدينة اليافطات أو اللوحات في مداخل المدينة يحذرون الناس القادمين إليها :
أنا القطيف إلقطفوني إذا طب ( دش ، دخل ) الغريب أخبروني
وإذا طلع سالم عاتبوني عاتبوني
سألت الإخوة السعوديين في ألمانيا و في السعودية عن هذه الحادثة و متى وقعت ، فلم أحصل على جواب . لست أدري على أي مصدر اعتمد المرحوم والدي و من حدثه بذلك .
و من هنا أحيي الأخ عبد الله خالد الخالد و الأخ نجيب القضيب و الأخ محمد الدميني و الأستاذ صالح السبتي و كل الإخوة أعضاء هيئة تحرير مجلة القافلة الذين تشرفت بالتعرف عليهم .
الأخ عبد الله الشهري ، أبو سعود يتمشى أمامي في سوق الثلاثاء بأبها البهية
نعود إلى ذكرياتي في مدينة أبها و الأيام الجميلة التي قضيتها فيها أثناء إفتتاح المشاريع السياحية و مقابلاتي المتعددة لصاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل الذي كان يسهر إلى ساعات متأخرة لإتمام بناء و تنظيم قاعة المؤتمرات و غيرها . و كنت اراه في الساعة الثانية بعد منتصف الليل يوجه الفنيين و العمال إلى تنظيم القاعة .
وبعد افتتاح المشاريع الواحد بعد الآخر تحدث سمو الأمير إلي عن أحد المباني الذي بني بأيادي سعودية و مواد بنائه سعودية و حتى الألوان و كل شيئ سعودي ، فقلت لصاحب السمو ان هذا المشروع يحتاج إلى قصيدة .
أجابني سموه على الفور : " يا دكتور إن منطقة عسير و أهلها ، هي قصيدتي الكبرى " . فقلت له أطال الله من عمرك .
شيئ جميل أن يضع المسؤول أو الأمير منطقته و أهاليها و مشاكلهم نصب عينيه و فوق كل اعتبار .
نشرت إحدى الصحف المحلية ثاني يوم في حينه هذا الحوار القصير .
أهدى لي السيد مدير نادي أبها الأدبي الأستاذ محمد الحميد هدية تذكارية أعتز بها لهذه اللحظة بعد انتهائي من إلقاء محاضرتي حول شاعرية صاحب السمو الأمير خالد الفيصل في نادي أبها الأدبي مساء 29 أبريل 1997
و عندما ذهبت إلى الفندق ، قلت في نفسي لماذا سلط الله على العراق فرعونا لا يرحم شعبه بينما يقوم الأمير خالد الفيصل بحل كل مشاكل أهل منطقته .
الإنجازات الرائعة التي حققها صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل لمنطقة عسير في غضون إمارته لا تعد و لا تحصى .
و كم تمنيت أن أحصل على كتابه عن إنجازاته في رحلته الطويلة التي ابتدأ بها من الصفر في منطقة عسير .
هدية القصبة قدمها لي معالي الأستاذ محمد الحميد رئيس نادي أبها الأدبي للذكرى
و في محاضرتي حول شاعرية الأمير خالد الفيصل في نادي أبها الأدبي بتاريخ 29 / 4 / 1997 التي استغرقت ساعتين و أربعين دقيقة انطلقت من الأعماق بإلقاء القصائد المحببة إلى نفسي من كتاب الأمير : قصائد حب
و المشكلة التي جابهتني ، هي أن كل قصائد الأمير التي ترجمتها محببة إلى نفسي و مخاطبة لمشاعري الموضوع بعد الآخر .
وعن العيون فحدث و لا حرج حيث أتحفنا الأمير بما يلي :
ألـلـه أكـبـر
ألـلـه أكـبـر كـيـف يـجـرحـن الـعـيـون
كـيـف مـا يـبـرى صـويـب الـعـيـن أبـد
أحسـب إن الـرمـش لا سـلـهـم حـنون
أثــر رمــش الـعــيـن مــا يـاوي لاحــد
يـوم روح لـي نـظـر عــيــنــه بــهــون
فــز لــه قـلــبـي و صـفــق و ارتــعــد
لـفـنـي مـثـل الـسـحـايـب و الـمـزون
فـي عــيـونـي بــرق و بــقــلــبــي رعــد
نـقـض جـروحـي و جـدد بـي طـعـون
قـلــت يـكـفـي قــالــت عــيـونــه بــعــد
وانـعـطـف هـاك الـشـعـر فـوق الـمـتـون
وانــثــنـى عــوده و قــفــى وابــتــعــد
اشـغـلـتـنـي نـظـرة الــعـيـن الـفــتـون
حــــيــــرتــنـي بــالـــتـوعـــد و الــوعــد
هـي تـمـون الـعـيـن والا مـا تـمـون
لـى خــذت قــلــبـي و قــفـت يا سـعد
و في قصيدته العصماء " يغار سمعي " أتحفنا الشاعر بصور رائعة قلما وجدناها و نجدها في الشعر الفصيح : وهذه التعابير في غاية الجمال :
لقيت بنواعس عينك أوطاني
لى شفتك أعيش في عيونك أزماني
وآخذ من نجومها و اشعل بها شمعي
ومن سحرها قام يورق بالذهب زرعي
يـغـار سـمـعـي
يـغـار ســـمـعـي و يـشــــره كــل وجــدانــي
لـى غـاب صــوتـك نـهـار مـا بـلـغ ســـــمـعـي
يـاللـي لـقـيـت بـنـواعـس عـيـنـك اوطـانـي
هـي ديـرتـي هـي مـلاذ الـقـلـب هي ربـعـي
أملـي الـنـظـر مـن جـمـالـك يـوم تـلـقـانـي
واحبـس خـيـالـك بـعـيـني حـبـسي لـدمـعـي
لـى شـفـتـك أعـيـش فـي عـيـونـك أزمـانـي
وآخـذ مـن نـجـومـهـا واشــعـل بـهـا شـمـعـي
مـن نـورهـا ســــالـت الـــفــرحــه بـوديــانـي
و من سـحـرهـا قام يـورق بـالـذهــب زرعـي
يـا واحـد الـحـســن مـا لـك بـالـعـرب ثـانـي
عـطـني شـرابـك وخذ قــرطـوع مـن نـبـعـي
غـــريـب الاطـــوار والــغــربـات مـــيـــدانـــي
فــي غـربــة الــعــمــر وافق طـبـعـكـم طبعـي
أصـبـحـت تـغـريـبـتـي واصـبـحـت عـنـوانـي
يـا واحــدي بــالهوى واثــنــيـني و جـمـعـي
أما قصيدة فدوة عيونك ، فمن كثرة قرائتها و إلقائها حتى أثناء سفري بسيارتي ، لحنتها و بدأت أغنيها بدون آلة موسيقية ، لأني للأسف لم أتعلم العزف على أية آلة . و أجمل ما في القصيدة بأن يتمنى الشاعر أن يعطي سنوات من عمره ليطيل عمر الحبيبة .
و عندنا في العراق نجد هذه الصور البديعة بين الزوج و الزوجة متداولة و حتى بين الأم و طفلها عندما تقول الزوجة لزوجها فدوة أروح لك و بالعكس . وقد استخدم الشاعر الفنان الأحاسيس الوجدانية في هذا البيت :
أحـب أنـا شـــوفـك و صــوتـك و طـاريـك
دايـم و فـكـري فـيـك هــايـم و حـايــر
فـدوة عـيـونـك
فـدوة عـيـونـك لـو غــدت روح مـغـلــيــك
وش عـاد لـو راحـت لـعـيـنـك عـشـايـر
أبـيـع مـا يـغـلـى عـلـى الـكـون واشـــريــك
واسـوق لـى جـتـنـي عـلـومـك بـشــايـر
وازعـل جمـيع الـنـاس بالحيل وارضــيـك
واصــبـر و لــو دارت عـلـي الـــدوايــر
وآخـذ مـن أيـامـي لــك أيـام واعـطـيـك
وان راح عـمـري إلـك فـلا هو خسايـر
أحـب أنـا شـــوفـك و صــوتـك و طـاريـك
دايـم و فـكـري فـيـك هــايـم و حـايــر
بـالصمت أهوجس بك وبالصوت أناديك
و الـلـه عــلــيـم الـبــيــنـه و الـســــرايــر
أنـا و قـلـبـي والـــهــوى بــيــن أيـاديــك
عــنــدك مــفــاتـــيــح الـــهــنـا لـلـضـمـاير
من روحي أحــبــك ومن روحي أفــديـك
يـا مـن غــرامــه و الـحـســــن فـيـه ثـايـر
أختتم هذه الرحلة الشعرية مع شعر الأمير خالد الفيصل بقصيدة " من يقول الزين " التي شملت العيون و كل شيئ حسن ، آملا أن أكون قد وفقت بالتعبير عن بالغ شكري و امتناني لصاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل الذي شملني بفيض عطفه و كرمه و دلني على عالم الشعر النبطي الخالد ، و الله ولي التوفيق .
مـن يـقـول الـزيـن
مـن يـقـول الـزيـن مـا يـكـمـل حـلاه
كـل شــي فـي حـبـيـبـي إكـتـمــل
الـلــه الـلـي كــمـلـه و الـلـــه عـطــا ه
مـا بـقـى لـلـزيـن في خلـي محل
الـعـيـون أحـلـى مـن عـيـون الـمـهـاه
شـافـهـا قـلـبـي و صــفـق واحـتـفـل
نـظـرتـه مـن فــتــنــتـه شـــعــلـة حـيـاه
و الـجـفـون من الـحـيـا فـيها كسـل
ســاهـم رمـشـــه عـلى الـخــد وســنـاه
كـن لــمــعــة وجـنــتــه ورد و طــل
والـشـــفــايـا كـــنـهــا جـمـر الــغــضــاه
تـحـرس الـريق الـمحلى بالـعـسـل
والـشـــعـر لـيـل نـقـل حـمـرة مـســاه
أجــعــد حـول عـلـى صــدره هـمـل
مـايـج مـن فـوق مــتــنــه مـا طـــواه
لــون شـــــلال مــع الــمــغــرب نــزل
إنـطـلـق جـيـده يـمـاري فـي بـهـاه
فــوق مــيــاس تــعـــــــزل و اعـــتــدل
بـالـرشـــاقـه فـيـه مـن ظـبي الــفـلاه
لا مـشـى كـنـه عــلـى الـريـح انـتـقـل
ريـحـتـه مـن كــل زهــــر مــنــتــقــاه
والـزيـــاده لـلـخـــــزامــى والــنــفـــل
صــافـي مـثـل الـمـطـر فـوق الـصـفـاه
بـاســـــــم مــثــل الـــبـشـــــايـر بـالأمـل
جــامـــع مــن كــــل زيــن مــنــتــهـــاه
مـسـتحـيل الـوصـف في خلي ســهل
كـايــــد مــا هـو يـلــيـن لـمـن بـــغـــاه
يــرتـفــع عـن كـــل ســقـطات الـزلـل
وأخيرا أوصلني الأستاذ محمد الحميد مشكورا إلى فندق الخزامى ليلة سفري
الكتابة عن مدينة ابها البهية و أهلها الكرام وكل منطقة عسير تحتاج إلى مجلد ضخم يتعدى نطاق المدونة المحدود .
لكني أكتفي بأن أحيي أهالي أبها الكرام وكل منطقة عسير ومن زرتهم و تشرفت بمعرفتهم أثناء زيارتي لمدة اسبوعين ، متمنيا للجميع دوام الصحة والعافية و لأبها ومنطقة عسير والمملكة كل الخير والتقدم .
وأخيرا لابد لي أن أذكر بأنه لم يكن في خلدي أثناء زيارتي للمملكة العربية السعودية أن أكتب عنها وعن رحلتي .
إلتقت عدة أفلام 36 صورة ورقية من نوع كوداك وغيرها . أصبحت ألوان الصور كلها شاحبة ، حيث قمت باستنساخها عدة مرات و عملت لها إسكننج
ثم عدلتها ببرنامج تعديل الصور كالفوتوشوب و فوتو بلس وغيرهما.
لذا أعتذر لعدم جودة بعض الصور، لا يكلف الله نفسا إلا وسعها .
تقبلوا مني فائق ودي و تقديري
د .عدنان
ألمانيا في 25 نوفمبر 2024