الابواب المغلقة وقوة الشر
الجمال الاسطوري وقانون الجنيات
اسرار وعلوم
تحدي وجنون
ماذا يحدث عندما يتحدى الانسي عالم الجن ويتزوج بجنية … هل يتمكن الانسي من التغلب على قوى الجن التي تعترض على هذا الزواج .. اول قصة حقيقية تروى على لسان صاحبها الذي عاش التجربة عشق ج
ذات مساء،وبالضبط مساء يوم احد؛ وبينما كنت أرنو الى الفضاء الذي تعانق مع نخلة السجن، شدني منظر النخلة وابهتها وكبرياؤها الذي يعانق السماء، تأملتها بكلتا حدقتي، وفتحت المجال للتصورات والخيال ان يحل على شريط طويل سريع، يطبع في حجرات عيني الحلم القريب والافراج المنتظر وصور الاصدقاء والاهل. كل ذلك كان يمر في ومضات سريعة، وفي وقت زمني قصير لا يسمح ببقائه طويلا لأن الفكرة تركض وراء الفكرة، والصورة تطرد الصورة، فالخيال واسع وشريط الذاكرة سريع. وفجأة وبينما كنت اطلق لخيالي العنان… تجسدت بجانب النخلة امام عيني فتاة …لم اصدق ما ارى، ففركت عيني، ازداد جمالها في نظري…انها حقا آية في الجمال يعجز قلم ابلغ الشعراء عن رسمها بالكلمات.. ذات رداء اخضر ربيعي، وزاد من جمالها، شلال شعرها الاسود المتموج الذي تدلى مسترسلا حتى تعدى الخاصرة…اما الوجه فكان لوحةفي غاية الخلق والجمال ..سبحان الذي ابدعه وابدع رسم العينين في محجريهما…هزت النخلة بيديها، وراحت تمارس لعبة الدوران حول جذعها برشاقة الغزال…رفعت راسها لتلتقي عيناي بعينيها السوداوين الواسعتين …رمقتني بنظراتها فانسابت سحرا خفق له قلبي بين الضلوع، وانفرجت شفتاها راسمة ابتسامة ملائكية عذبة، دخلت قلبي فملكته، وتغلغلت في ثنايا دماغي، ففعلت به ما يفعل الخمر بعقل شاربه…ومرة اخرى وفي لمح البصر وقبل ان يرتد طرفي استدارت نحو النخلة واختفت…
بقيت في مكاني انظر الى نفس المكان، متسمرا شارد الفكر ينتابني الذهول، وبقيت على حالي هذه حتى ارخى الليل سدوله وتعذرت الرؤيا وحجب الظلام النخلة، ولم يعد في استطاعتي ان ارى شيئا.
تحركت من مكاني، تحسست نفسي جيدا, فخلت انني انما كنت في حلم جميل .وحاولت ان اقنع نفسي ان ما حدث لا يتعدى الحلم والذي لم يعد له في حياتي وحتى في خيالي أي اثر او تأثير…الا انني احببت الجلوس بجانب النافذة، استمتع بالبحث عن فتاة حلمي علها تظهر ثانية.وبين الحين والحين، كنت اسرق من الانتظار لحظات حنين للاهل والاصدقاء …بقيت على حالي هذه ستة ايام، وفي اليوم السابع وعندما مالت الشمس نحو الغروب وفي نفس الموعد ونفس اللحظة ظهرت بجانب النخلة …نعم انها هي، ذات الرداء الاخضر، ذاتها ، لكنها جلست هذه المرة في حضن الارض، بجانب النخلة، وكانها زهرة الهية في معبد الجمال…تسارعت دقات قلبي. كنت لحظتها لا اسمع سوى صوت انفاسي المتعاقبة الساخنة، ضغطت باتجاه اسكات تلك الانفاس الحارقة، وما هي الا لحظة حتى رمقتني بنظرتها الساحرة والابتسامة على شفتيها كانها انشودة عشق عذبة.
القصه منقوله
عدت الى واقعي: سجن وسجان، اخوة واصدقاء ورفاق خلف القضبان، كنت احاول ان ابعدها عن تفكيري، وان لا اجعلها تسيطر عليه، وتكرر انتظاري لها، ومشاهدتها كل يوم احد من ايام الاسبوع لعدة ثوان او لحظات، وفي كل مرة كنت اخلو فيها الى نفسي كنت أتساءل: هل جئت الى هذا المكان حتى اعشق حلما او خيالا ؟؟وهل سجنت لاعشق من خلف القضبان فتاة تظهر وكأنها سراب؟استسلمت لأسس العلم وفلسفة العلماء، واقنعت نفسي ان ما راودني ان هو الا خيال، وما صاحبة الرداء الاخضر هذه الا وهم بعيد المنال، غير خاضع حتى لمجرد التفكير فيه، و ان وجودها لا يخضع لاي احتمال، ومع هذا، وفي لحظات الجد كان فكري وخيالي يسرح فيما ارى.كنت لا اصحو على نفسي الا وانا اكتب اشعارا لها، وارسم لعينيها ما رق من الكلام، حتى وجدت نفسي في نهاية المطاف انظم عواطفي في خيوط من نور جمالها الأخاذ، واصبحت اسير محبة فتاة حلمي ,فاحببتها حبا لا يعرفه الا من هزت جدران قلبه اشعة الحب وسحره الذي لاينضب…
حاولت من جديد ان امنع نفسي من التفكير فيها فلم اجد الى ذلك سبيلا .وكنت اساور نفسي واعيش معها لحظات في حلمي الجميل، اخشى ان يوقظني صوت بعوضة من بعوض حمام السجن، ويقطع علي حبل الاحلام والاسترسال في تصور جمال عينيها وروعة ابتسامتها التي ارتسمت في مخيلتي، بل في عيوني.
توالت الايام، واصبح املي الوحيد في هذه الحياة أن تطل علي من عند النخلة. انقضى نصف عام من عمر الزمن، وامضيت مدة حكمي في السجن، وجاء يوم الافراج، يوم الحرية الذي تتعطش له كل نفس اسيرة من وراء قضبان السجن …اصبحت حرا، فما اجمل ان يكون الانسان حرا طليقا كفراشة، يشاهد ما يشاء،يجالس الاهل والخلان بفرح يغمر القلوب، وحب الاهل الذي لاتعرفه الا طيور الحب، وروح كل اسير مازال يعاني من وطأة السجان…الحب هنا والوفاء في هذه الارض ينتثر مع الهواء، وكل واحد ياخذ منه ما استطاع، وفجاة عصف بقلبي هاجس سريع، وراودني شعور غريب، مليء بالأسى والمرارة.. شعرت وكأن اوراق الزهر في عز الربيع تساقطت ,انقبضت نفسي.. تذكرت الفتاة والنخلة، شعرت بألم ومرارة كمن فقد اعز شيء في حياته، بل اكثر من ذلك، كمن فقد حياته كلها. تذكرت حياتي داخل السجن حتى غرقت في بحر موجاته من الاسى والسعادة والعذاب والالم…تسمرت في مكاني، أرفض العودة للمنزل والاهل والاصدقاء…الجميع يحثني على الصعود إلى السيارة التي ستنطلق عائدة الى البلدة…ارتسمت على الوجوه علامات التعجب، وكأنما هم يتساءلون، فيما بينهم ما الذي حدث؟…وما بال الرجل؟ أهو في وضع غير طبيعي!!…بدأت اتمالك نفسي…احسست بشعورهم تجاهي …صعدت الى السيارة جسدا بلا روح…وبينما كنا في طريق العودة ,كانت السيارة بعجلاتها تنهب الطريق وتلتهم المسافات امتارا وراء امتار، امي تجلس إلى جانبي مرحة سعيدة، وشقيقتي غارقة في ضحكاتها…اما انا فكنت لا ادري اين انا…
بدأت الملم افكاري واستجمع قواي، اكلم نفسي.. ان كفاني الى هذا الحد جنونا، كفى احلاما…كفى احلاما .. تصارعت الافكار، بدأت اشتم واسب نفسي… و تولد لدي شعور اني اريد ان اصرخ، كفى احلاما كفى احلام …صراع بيني وبين نفسي، تعرق له جسدي، صراع دار في راسي، وكأن بي رغبة شديدة لتحطيم شيء، اي شيء، وفجأة؛ صحوت على صوت أمي الملائكي:
مالك يا حسن ،ماذا جرى لك يا بني، هل انت مريض ؟!ربما تغير عليك الجو …لماذا انت حزين ومهموم هكذا يا حسن ؟…
ابتسمت بمرارة …انها امي الحنون، نهر العطاء وخيمة الحنان .. قلت لها :
انا لست مريضا يا امي، وكل ما في الامر اني تاثرت قليلا لفراق اصدقاء السجن.
فامسكت بالحديث، وبدأت اتجاذب أطرافه مع أمي وشقيقتي، حتى وصلنا من ر حلة السفر الى بيت الطفولة …وما ان دلفت عتبة البيت، حتى ازدحم المهنئون يعبرون عن فرحتهم وسعادتهم بعودتي سالما معافى، الامر الذي لم يدع لي مجالا لأن أسرح أو أفكر في شيء آخر…المهنئون يزدحمون في بيتنا على مدار اليوم والاسبوع والساعة، حتى مرت الايام دون ان اشعر بها، وبدأت اتغلب على مشاعري واسيطر مجددا على نفسي، اقنعها ان الحلم لا بد ان ينتهي وأن ما عشته داخل السجن انما هو حلم يقظة، والعلم يؤكد: ان مر انسان بتجربة كتجربتي فانها تكون بداية مرض نفسي عنده، وعليه ان يخضع للعلاج، وخصوصا اذا وصل به الامر درجة الافراط في التخيل والتصورات…ومن اسباب هذه الظاهرة المرضية احساس الشخص في المجتمعات التسلطية والسلطوية بالحرمان والانقياد والقهر والعجز…
خلقت الحياة لتستمر لا لتتحنط أوتحفظ في ثلاجة الموتى، بهذا كنت اواسي نفسي، فاحاول اشغالها بكل شيء حتى لا اترك لنفسي مجالا او ثغرة يتسرب منها ذلك المرض اللعين اليها…
مضى على خروجي من السجن حوالي عشرة ايام، استطعت خلالها التأقلم ضمن نمط حياة أقاربي واصدقائي والناس في بلدتي.
ذات يوم وبينما كان جميع من في البيت مدعوين الى حفل زفاف،قررت أن لا اذهب إلى لحفل مع بقية اهلي بسبب خلاف قديم كان نشب بيني وبين قريبي صاحب الحفل …فضلت الانفراد بنفسي على الخروج بصحبة الاهل. حاولت قراءة بعض الكتب، لم اشعر بمرور الوقت الا عندما بدأت خيوط الشمس تتسلل من النافذة تاركة وراءها ظلا لطيفا مشوبا ببرودة ناعمة، نظرت من النافذة واذا بقرص الشمس يوشك ان يتوارى في الافق البعيد وراء الجبال (فساحت روحي في فضاء الحرية والانعتاق)واذا بي اسمع همسا ناعما هادئا
لا اراديا، التفت بنظري نحو مصدره، اضطرب مني القلب وارتعش الجسد، طرحت الكتاب جانبا: يا الهي…هالة ضوئية نورها يشبهها تماما، عيون سوداء واسعة والابتسامة العذبة الناعمة والشعر الاسود الطويل…انها صاحبة الرداء الاخضر، تسمرت في مكاني، تسارعت انفاسي، وجاء وقع الكلمات …
كيف حالك يا حسن؟ اعذرني لان ظروفي لم تسمح لي بالمجيء مبكرا لزيارتك لأهنئك …
نعم انها هي، ارتعدت كل خلية في جسدي، وكاني امام ثورة اعصار هائج، كلماتها كانت تخترق أذني، ابتسامتها الساحرة تخترق الصدر لتستقر في اعماق نفسي متفاعلة مع كل خلجة من خلجات قلبي… لا املك الا السكوت، تاركا عيني تهيم في محاريب جمالها، كم هي جميلة يا الهي !!اكلم نفسي.. من تكون ؟ عشرات الاسئلة بل المئات ,لقد عدت الى نفس الدوامة، الى نفس الاحلام والخيالات، من هي ومن تكون يا الهي ؟!اهي انس ام جن …عيناي ما زالتا محدقتين بها، ما الذي جاء بها، لا اريد ان ترف رموشي امامها ,لا اريد ان يرتد الي طرف في حضرتها، ولا اريد ان افارقها …هاجس اوعز الي بانها ستختفي وتتركني…ان فعلت ذلك، ماذا سيحل بي..وما هي الا لحظات حتى قالت اخر كلماتها بنغم انساب في اذني:
" الوقت تاخر وانا لازم اروح يا حسن".
وقبل ان تصل اخر كلماتها وتر السمع في اذني، انشقت الارض وابتلعتها ولم يعد لها وجود ….لقد اختفت .واذ بباب البيت يفتح لتدخل منه والدتي وشقيقتي وهما تضحكان ، تكلمت مع ذاتي: اين اختفت، وكيف دخلت وكيف خرجت ؟هل اصبت بالجنون؟ام اني مريض ب…؟قاطعتني امي:
ما بك يا حسن (ليش انت مشدوه)؟!
..
قفزت من مكاني، قبلت امي واحتضنتها، قلت لها:
انا سعيد سعيد …
ضحكت اختي مني:
" شو مالك احنا تركناك بعقلك …"
فجاة نظرت الى ساعة الحائط، الآن الساعة التاسعة والربع مساء، وبحركة اخرى اثارت استغراب من حولي نظرت لساعتي التي على معصم يدي، وامسكت بيد شقيقتي لالقي نظرة على ساعة يدها..نعم كل الساعات تشير الى التاسعة والربع ليلا …يا الهي كيف مر الوقت؟ اذكر ان الساعة كانت تقارب الخامسة بعد الظهر وكنت اتنتظر موعد الفلم العربي الذي اعتاد التلفزيون ان يبثه كل يوم جمعة … ارخى الليل سدوله. بدأت اسير من غرفة الى غرفة،كنت ابحث عنها في كل مكان …خرجت من البيت،صعدت الى السطح وطفت حول البيت علي اجد لها اثرا، توهمت اني ساجدها مرة اخرى…احضرت لي امي طعام العشاء، جلست واصرت ان اجلس بجوارها، لقد كانت فرحة سعيدة، تنظر الي وتقول:
لم ارك سعيدا لهذه الدرجة من قبل يا حسن..
تمنيت ان ابوح لها..
انا سعيد يا امي لاني بجوارك، وسعيد بوجودك بجانبي…
وبدأت تحدثني بأيجاز عن العرس والصبايا، وعن بنت فلان وفلان، والصبية فلانة. ابتسمت وتحدثت إليها وانا شارد الذهن، وانهيت حديثي وعدت لفتاة احلامي…التي تحولت الى حقيقة…لست بمجنون أو مريض حتى لا استطيع التمييز بين الحلم والحقيقة …كل الدلائل والمؤشرات براهين دامغة، ادلة واضحة، تثبت ان ما يحصل معي حقيقة وليس خيالا …اعدت التفكير مرة اخرى، استرجع بذاكرتي ما كنت اعمله قبل ان تظهر لي، لقد كنت اقرا في كتاب، ايعقل اني غفوت وحلمت بما رأيت ,مستحيل ان اكون قد غفوت، فالليل كان في بدايته، وكنت انتظر الفلم العربي، واذا كان هذا قد حدث، فما هو تفسير هذا يا حسن ؟وهل اصبحت تؤمن بالخرافات مثل "العجائز"؟ يا الهي ما اصعب ذلك!! اريد ان اصغي الى نداء العقل، و الى شروح العلم وفلسفة الخرافات والرؤى، ولا اريد ان اخضع للمنطق الذي سيحرمني من روحي وحياتي، ومن اجمل لحظات العمر ,الحلم الجميل الذي اصبحت لا اريد تفسيرا له، وكل الذي اتمناه واريده هو حبيبتي، تلك الافكار حولت نفسي لميدان عراك، اشتد فيه الصراع بين العقل والمنطق من جهة، وبين العاطفة والقلب من جهة اخرى.
حسن ،هل جننت …؟وهل اصبحت تؤمن بالجن والعفاريت والخرافات التي لاتنتهي في هذا المجتمع، كلمت نفسي حتى تملكني العناء …تعبت حتى اخذ الارهاق لون الصفار على وجهي…حسن :انت متعلم ..انت مثقف ..ان ما حصل والذي تتعرض له انما هو نتيجة ظروف السجن والاعتقال …لا تدع للاحلام والاوهام طريقا تدخل بها الى عقلك فتداهمه وترهقه بما ليس له اساس ولا صحة ..؟
خلصت الى تحذير نفسي … حذار يا حسن ان يعرف أي مخلوق كان بقصتك هذه، والا ستتهم بالجنون، وستكون عرضة للسخرية، يهزأ منه الصغير قبل الكبير …
آه كم هي طويلة ساعات هذه الليلة ..صراع محتدم بين الفكر والعاطفة، بين العلم والخرافة، بين الثقافة والاحلام، وبين الحقيقة والخيال، بين الصح والخطأ، صراع انتهى بتوصلي الى هذه النتيجة…"ان انسى كل ما حدث". بعد ذلك غطيت في سبات عميق حتى ساعات متاخرة من صباح يوم جديد .
على تلك الحادثة توالت الايام وتعاقبت الليالي، انقضى شهر باكمله، وفي ذات ليلة ، وبينما كنت جالسا في حديقة المنزل شارد الذهن أسرح بخيالي إلى بعيد، اعانق النجوم تارة واهيم في ملكوت الله تارة، متفكرا ، مقتنعا ان نفسي كما هو حال قلبي نمت في ثناياها وثنايا القلب أشواق الحب التي راحت تتزايد وتتسع بنهم شديد.
مساء الخير يا حسن …
مساء الخير يا حسن …
تقطعت اوصالي وانهدت جوانحي، ها أنا أعود الى تلك الحالة: لا حراك ولاكلام …نظرت نحو مصدر الصوت، واذا بها هي نفسها شعر اسود وثوب اخضر بهيج وابتسامة عذبة لا تنتهي، تسير قادمة صوبي بنفس الخطى والسحر والثقة…اقتربت اكثر فاكثر، دنت حتى جلست بجانبي لم احرك ساكنا، لم اصدق ما اشاهد، راحت عيناي تتفحصها، وتتأمل سحرها الاخاذ الذي لا يوصف، حاولت النطق فلم استطع، وكأن لساني شل واصابه البكم، عجزت عن الكلام وعجز اللسان عن الوصف، نظرت ا لي وكانها تود ان تعيد الى نفسي وقلبي الطمانينة والراحة والسكون، فلم اكن خائفا ولم اكن فزعا، بل مرتبكا من السعادة والشعور الكبير بالفرح والنشوة…تحرك لساني بعد شلل، فسألتها :
قولي لي..
فأجابت بهمس الكلام، وبصوت عذب هادىء، كدفق الالحان والانغام:
انا غادة يا حسن، انا الان بجانبك وجئت لزيارتك، ولا وقت لدي للاجابة على كل أسئلتك… لكني سأعود قريبا واجيبك على كل أسئلتك …والآن انتهى وقتي ويجب أن أعود.
اختفت غادة من جديد بعد أن تركتني في حيرة من امرها وقدرتها الخارقة على قراءة افكاري، واجابتها على اسئلتي قبل ان انطق بها… غادرتني هذه المرة والسعادة ترتسم على وجهي وقد عرفت لها اسما اناديها به. قطعت الشك باليقين بان ما يحدث حقيقة…ازداد قلبي تعلقا بها وازدادت روحي هياما بجمالها، ونفسي ابت ان تسكنها روح سواها .
بدأت انظر الى الغد المشرق الذي يبشر بالسعادة والهناء، إلى الغد الذي سأرى فيه وجه غادة ، سحابة لابد من مرورها ، انها سحابة تضارب الافكار المحملة بالوساوس، التضارب الذي يعكر صفو المساء وسعادة الروح انه السؤال؟
فهل يعقل انني احببتها كل هذا الحب وانا لم اشاهدها الا عدة مرات؟ ايعقل ان تكون مرآة الحب عمياء الى هذه الدرجة ؟.. انها لم تكلمني ولم اكلمها الا عدة كلمات لعدة لحظات …كيف يحدث ذلك؟ وانا لا اعرف عنها شيئا …ثم أطمئن نفسي قائلا:"الايام قادمة وعندما ألتقيها في المرة القادمة سأعرف عنها كل شيء".
انقضت الليلة وتبعتها الايام، وانا امضي معظم ساعات المساء من كل ليلة في حديقة المنزل وانا انتظر مجيئها …وبينما كنت قلقا ذات مساء في ليلة قمراء، باغتني صوت امي الحبيبة:
" قلي مين هي سعيدة الحظ اللي شاغلة بالك يا حسن؟ قلي وانا بروح اخطبها الك، وخلينا نفرح فيك يا حسن، مش هي ام الشعر الاشقر…والله يا عم انها حلوة وبتستاهل، ولونو امها مش ولا بد، وبتفكر حالها في اميركا …طيب انا رايحة انام، واول على آخر راح اعرف…بدك مني إشيء قبل ما اروح؟"
قلت وأنا أبتسم:
شكرا يا امي، تصبحين على خير …
استدارت امي عائدة الى البيت، وتوارت عن ناظري.. هبت نسمة صيفية ناعمة خفيفة تحمل معها صوتا ملائكيا عذبا. حتى أنه لو اشتد هبوب النسمة شيئا قليلا لما كنت سمعته …
سارح في مين يا حسن؟ في سوزي ولا في امها …؟
وما ان التفت الى مصدر الصوت حتى كاد قلبي يقفز من موضعه، انها غادة ذات الجمال الذي يعجز عنه الوصف، تجلس على حافة سور الحديقة تحت ضوء القمر الذي زاد جمالها ابهة، وزاد حسنها دلالا…خمرت روحي واسرت قلبي وعواطفي، وراح العقل يحلل كلامها أيصدق أم يكذب، ايعقل انها سمعت ما دار من حديث بيني وبين امي …لا ، كيف ذلك ؟ انه امر عجيب،كيف عرفت غادة ان التي كانت تقصدها امي هي سوزي ؟ اقتربت بخفة ريشة ناعمة على نسمة الصيف الدافئة حتى دنت مني وجلست على كرسي القش القديم…اخذ النسيم يداعب شعرها الناعم وهي تقول :
"حسن: ما بك لماذا انت مذهول …هل هذه اول مرة تراني فيها ؟ ام ان معرفتي لاسم سوزي جعلك غير قادر على التركيز، فهذه بسيطة كل ما في الامر اني سمعت حديثك مع امك…ومن خلال قدرتي على الاتصال بأفكارك عرفت اسم سوزي …حسن لماذا لا تتكلم.صحيح اني استطيع قراءة ما يجول في خلدك، ولدي القدرة على معرفة كل ما تفكر به الان، إلا أنني يا حسن في شوق لسماع صوتك …حسن، لا داعي للحيرة، تكلم اعلم انك تريد مساءلتي …طيب يا حسن سأساعدك، انت تريد ان تسالني من انا، هيا اسأل …"
نتظرررررررررررررررررررررررررررني
…الحلقة الثالثة
عجيب امر غادة، فعلا هذا ما كان يراودني وكل ما كنت افكر فيه كانت تقوله …واخيرا نطقت:..
نعم من انت ؟..
وقبل ان اكمل جملتي، جلجلت في اذني ضحكة ساحرة . كانت تضحك حتى اعتقدت انني قلت نكتة، بدأت اشاركها الضحك، ولما تلاشت امواج الضحك …قالت:
"اترى، ان الامر بسيط، من انا …ها انت تتحدث جيدا، انا يا حسن من عالم غير عالمكم .."
أهذا يعني انك من الجن …؟
ضحكت ضحكة شقت امواج الاثير لتستقر في نفسي، انتشت روحي لعذوبتها وقالت:
" انا لست من عالمكم، فلا ابي ولا امي من البشر، ولاني ابنتهم هذا يعني اني كذلك لست من البشر…"
حرت في امرها ومن تهربها من الاجابة على السؤال، ثم سالتها وكان في سؤالي شيء من الاصرار..
اجيبي فقط هل انت جنية ؟وكيف تستطيعين قراءة افكاري ؟
اجابت باختصار وبنبرة ساخرة:
"انا لست انسية يا حسن ".
احترت بجوابها اكثر ، وغصت في بحر مليء بالحيرة والاسئلة…صمتت، وكان في صمتها شيء مريب. وعادت لتقول:
" بكل سهولة يا حسن، استطيع معرفة كل ما يجول في خاطرك دون جهد او عناء، استطيع ذلك ما دمت تفكر في، وبما انني جزء من افكارك، فهذا ليس بالامر الصعب علي …حتى انت يمكنك ان تقرا افكار غيرك ما دام الشخص الاخر يفكر فيك.وهذه هي عملية الاتصال بين الافكار، نحن نختلف عنكم باننا نثق بقدراتنا ونترجم الافكاربسرعة وسهولة، اما انتم، فالامر ليس بالسهل بل نادر جدا وبصعوبة بالغة يستطيع بعضكم ان يترجم ما تحسون به لانكم خطاؤون وتخشون الوقوع في الخطأ، الامر الذي يحد من قدرتكم على فهم كل شيء اما ما يميزكم عنا هو خوفكم المستمر من كل شيء، حتى من انفسكم ،واذا ما رغبت يا حسن، ساعلمك كيف يمكنك قراءة افكار غيرك …"
عدت لنفس السؤال لا شعوريا :
من انت ؟ومن اين اتيت ؟ومن تكونين ؟
ردت وكانت كلماتها ممزوجة بنغمة فيها شيء من السخرية حاولت ان تخفيها بشيء من المزاح في كلامها لتجيب :
اسمي غادة، ولست من الانس وانا من عالم آخر غير عالمكم .
اذن انت من الجن …!!
"لست من الانس واطلق على انتمائي ما شئت من المسميات".
وابتسمت ابتسامة ساحرة اشعرتني وكانني طفل صغير يحتار في اختيار الاسئلة، ويشعر بالخجل حيال اسئلته التي يعتقد انها لا تخلو من الحماقة والسخف …اذن هي جنية ولكن ما السبب الذي يكمن وراء عدم بوحها عن جنسها وعن العالم الذي هي منه..؟رتبت افكاري، استعدت ذاكرتي وغادة لا تزال تحملق بي…قلت في نفسي: هي الان تعرف الذي افكر فيه، يا الله كم ابدو سخيفا وضعيفا امامها …قالت:
"انت لا تبدو سخيفا يا حسن".
ضحكت وقلت لها:
ارجو ان تراعي الوضع الذي انا فيه الان.
وامتزج كلامي بشيء من الضحك، ولم استطع السيطرة على احساسي ..فضحكت وضحكت هي كذلك..
اسمعيني، والله ما عدت افهم شيئا كلما جئت بسؤال يأتيني الجواب حاملا الي المزيد من الحيرة..حتى لا احتار وتحيريني معك ساعديني على فهم ماذا يحدث .
ابتسمت وقالت:
تفضل ماذا تريد ان تفهم ..؟
هل انا في حلم جميل ساصحو منه بعد أن تغادري ؟وهل انا في نوم عميق؟ ام تراني قد مسني الجنون ؟ هل انت جنية …؟وماذا كنت تفعلين في سجن عسقلان ..كيف يكون ذلك …وكيف تظهرين فجأة وتختفين؟؟
"اسمع يا حسن، اذا كنت تريد ان اجيبك، إبدأ بسؤال واحد، وبعد أن اجيبك إطرح السؤال الثاني".
اذا، دعينا نبدأ يا غادة هكذا …هل انا الان احلم ؟
" انك لا تحلم واذا اردت التاكد قم وقف على قدميك.."
امتثلت لاوامرها وانا اضحك من نفسي وقفت وقالت :
"اجلس "..
فجلست ..ثم وقفت وجلست، ولو ان احدا شاهدني وانا افعل ما افعل لظن اني اصبت بنوبة "هستيريا"..نعم.
غادة من انت؟ ومن اين ومتى جئت …الخ .
ضحكت من تصرفي وامتنعت عن الكلام. فضحكت لضحكتها..
"يا حسن اتفقنا قبل قليل ان تسأل سؤالا واحدا، فماذا دهاك؟ هل تنسى بهذه السرعة؟ انت تريد معرفة كل شيء مرة واحدة، ماذا تريد ان تعرف؟ ..من انا وهل رأيتني ام لم ترني في السجن ام ماذا يا حسن..!
اسلوبها كان يضفي على اللقاء جمالا وسحرا ونورا على نور…
طيب، رجعنا من حيث بدانا، حقك علي، هل رايتك في سجن عسقلان ؟
"نعم، لاني انا اردت ان تراني، ولي هناك قصة طويلة وحكاية غريبة عشتها منذ الطفولة، لا اريد ان اشرحها الان وساقصها عليك فيما بعد عندما يحين الوقت، وبالمختصر المفيد، للنخلة في نفسي معزة خاصة، لم تنقطع زيارتي لها منذ كنت طفلة، كنت آتيها بين الحين والآخر دون ان اعبر أي اهتمام بما يحيط بها حتى جاء ذلك اليوم الذي كنت اقوم فيه بزيارة للنخلة، شعرت بشريك جديد يشاطرني بنظراته إلى النخلة تعلقي بها. كانت نظراتك للنخلة متواصلة ثاقبة حتى اعتقدت انك تراني…وفي المرة الثانية عدت لاراك وكأنك ما زلت في مكانك، نفس الجلسة، ونفس النظرة الغريبة التي كانت الحافز الفضولي لمعرفة السر الكامن وراء تلك النظرات …قررت ان اقرأ افكارك…تكررت زيارتي، واستمرت جلستك، وتعددت المحاولات وحين نجحت في الاتصال بافكارك، علمت ان للنخلة مكانة خاصة في قلبك، وانك تحبها كثيرا، واغتبطت نفسي بالسعادة لان هناك من يشاطرني حب النخلة التي اعتبرتها جزءا مني، وكلما كنت أزور النخلة كنت اراك ، فكرت فيك الى ان جاء ذلك اليوم الذي شاهدتني فيه، في تلك اللحظة نسيت نفسي وبقرار لا ارادي وسريع اتخذته، اتصلت بافكارك وكانت الفرصة مؤاتية فظهرت لك لتراني…وحاولت منع نفسي الظهور لك مرة اخرى ولكن…عندما يكون التصرف من منطقة اللاشعور، كنت اجد نفسي مجذوبة تجاهك، كنت اجيء واذهب مرات عديدة دون ان تراني، في كل مرة كنت اجيء فيها كانت نفسي تتوجع لشعور داخلي هو انني مجرد حلم في حياتك، لقد كنت عاجزة، القيود تكبلني فلم استطع عمل شيء، وبعد خروجك من السجن حالت المصاعب دون الوصول اليك، وفي اللحظة المناسبة استطعت الخروج، واقدمت على زيارتك في بيتك، كان ذلك في اول مرة ثم تلتها عدة زيارات كانت تتصف بطابعها السريع ووقتها القصير الذي حال دون اجابتي على كل ما تريد الاستفسار عنه".
سكتت قليلا عن الكلام وابتسمت ابتسامة جميلة ضمتها روحي في احضانها …وقالت:
"الآن اعتقد انك بدأت تستوعب الامور يا حسن ها انا عدت لأوفي بوعدي الذي وعدتك به في زيارتي الاخيرة، وامل ان استطيع اخراجك من سبات الحيرة الذي انت فيه …هل فهمت الان يا حسن؟"
تنهدت منهية حديثها، بصراحة لم افهم منها شيئا، وبدلا من ادراك الامور اتسعت فجوة الحيرة التي ما زلت فيها، وازدادت الاسئلة
افهم من كلامك يا غادة ان حبي للنخلة هو الحافز الذي دفعك للظهور امامي، وانك استطعت الاتصال بافكاري وهي تمتد الى النخلة وادعيت كذلك ان قصتك مع النخلة بدات منذ الطفولة..!اليس غريبا يا غادة ان اكون انا الوحيد الذي لفت انتباهك من بين مئات السجناء الذين دخلوا وخرجوا من هذا السجن؟ لقد كانوا يطوفون حول النخلة كل يوم، لا بد ان هناك من احبها اكثر مني، وليس هذا فقط، بل الجميع احبوها ومن بينهم العشرات الذين يؤمنون بوجود "العفاريت" والخرافات التي قصصها لا تنتهي…لماذا لم تظهري لاي منهم واخترت الظهور لي وانا الذي لا يؤمن بالجن ولا حتى "بالعفاريت"؟ …
7
7
7
انتظروني
الحلقة الرابعة
——————————————————————————–
يبدو انني خربطت في الكلام، انعقد لساني لم انبس بحرف واحد، انقلب كيان غادة وللمرة الاولى اراها والابتسامة تتلاشى عن ثغرها، تجهم وجهها، وبدت عليه علامات الحزن والالم، ترقرقت الدموع في مقلتيها وتيبست، حملقت في عينيها، واذا بالدموع تأبى الخروج من مقلتيها بعد ان تفجرت في داخلها كالبراكين …شخصت عيناها وهي تنظر للا شيء وقالت والحزن يمزق جفنيها ويخترق شغاف قلبي:
"ليس لاحد قدرة على رؤيتي الا اذا اردت انا ذلك "…ثم اشاحت بوجهها عني كي لا ارى الدموع في عينيها، واضاقت:..
" انا من يقرر متى يراني أي انسان، اياك ان تفكر ان ظهوري فيه متعة لي، او انه مجرد تسلية، لا، الامر اصعب من هذا بكثير لأن من يظهر منا لأي انس، يعرض نفسه لمخالفة عقائدية في عالمنا، مما يترتب عليها عقاب عسير لا يتصوره عقلك أو عقل احد من البشر، ان احدا منكم لا يتصور مدى هول ذلك العقاب وألمه".
سكتت عن الكلام وحركت رأسها للجهة المعاكسة لي بخفة وسرعة، تموج شعرها الناعم وطار فوق راسها، فماج بدلال وسرى سريان الموجة التي امتدت يدها اليه، رفعته عن وجهها لينسدل على ظهرها وكتفيها. بالفطرة ادركت انها قامت بهذه الحركة لتمسح دمعة من عينيها سقطت على خدها رغم ما اظهرته امامي من صبر وتجلد ..انتصبت وكانها تريد اخفاء ما بها من ضعف فقالت بنبرة كلها جديةكأنها تريد الثأر لكبريائها:
"لا تعتقد ان الاتصال مع الانس بالنسبة لنا أمر سهل، واعلم أنه من اصعب الامور وأعقدها، ويا ويل من يحاول ذلك منا، وأضف الى معلوماتك يا حسن ان من اسخف الامور عندنا هي الاتصال بالانسان.و تأكد يا حسن يا ابن المدارس، يا متعلم، يا فيلسوف زمانك ويا صاحب الخبرة في الحياة انك اكثر من غيرك ايمانا بوجود عالم آخر او ما تسميه بالخرافة، وتجهد فكرك في خلق المبررات والتفسيرات والتحليلات، التي تقنع نفسك بها ظنا منك انها استنتاجات فقط لارضاء غرورك الذي لا حد له …"
اختلفت لهجتها وازدادت حدة لتقول:
"كفاك غرورا ..ان هؤلاء الذين هم في نظرك اغبياء يؤمنون بالخرافات، فهم لا يجهدون انفسهم ولا يضيعون وقتهم وهم يتفننون في خلق المسميات والتفسيرات، فكفاك مكابرة، اما انا فلا انكر انني ارتكبت حماقة وسخافة سادفع ثمنها غاليا، وقد بدات من الان ادفع ذلك الثمن لاني اتصلت مع انسي، نعم، لقد اتصلت بك يا حسن.
على كل حال انتهى وقتي ويجب على المغادرة .
غادة انا اسف، لم اقصد الاساءة لك او ان اجرحك بحرف مما قلت …
ترقرق الدمع في مقلتيها مرة اخرى وقالت بصوت متهدج :
"انا التي يجب ان تتاسف يا حسن "…
حاولت ان امد يدي تجاهها، لكن شيئا ما فيه قوة خفية منعني ان افعل ذلك …
غادة ارجوك ان تسامحيني، لا ادري ماذا جرى لي، لم اقصد…
حملقت عيناها في عيني واذا بدمعة وكانها لؤلؤة ثمينة تلقفها صحن خدها فاستقرت عليه. واختفت…
غادة … غادة …غادة…
ناديت كمن يستحضر الاموات من القبور وليس من مستجيب…اختفت غادة واختفى معها ضوء القمر، وقلبي يتفطر اسى وحزنا على فراقها، لقد كانت دمعتها الاخيرة اشبه بخنجر استل وأغمد في أحشائي، ذهبت وتركت لي عذاب الضمير يجثم على أنفاسي، يا الله ما اسخفني، وما أحمقني، كنت جلفا معها الى ابعد حدود القسوة، ايعقل ان يكون لي قلب ومشاعر واحاسيس …كيف طاوعني قلبي وكيف سمحت لنفسي ان اسيء لها وان اجرح شعورها المرهف .
انا لا استحق منها نظرة واحدة ولا استحق من عينيها الجميلتين دمعة واحدة …اعترف انني بكيت وكانت هذه المرة الاولى التي ابكي بها في حياتي بكاء صادقا. ذرفت دموعا من اعماق القلب. دموع حرارتها من نار عذاب الضمير …ابكي هذه المرة بصدق اناشد بصدق …اتوسل بصدق، واطلب المغفرة بصدق..اعترف الان ان قوتي انهارت وفلسفتي الغيت وتحطم عنادي وانا ساجد في محراب جمالها.
فتحت عيوني بتثاقل فلم ار شيئا، اغمضتها وفتحتها مرة اخرى وكانت الغشاوة من امامي قد انقشعت لاجد نفسي في احدى الغرف كل ما فيها من اثاث ابيض، ومجموعة من الاشباح تحيط بي وهي ترتدي الملابس البيضاء، وكل واحد من الاشباح يتمتم مع الاخر، خبأت عيوني… اغمضتها …اية كوابيس واية احلام هذه …استسلمت لهواجسي حتى كاد راسي ينفجر…هل انا في الفضاء؟ لا، ربما في عالم الجن …؟هل هؤلاء الذي يحيطون بي هم شرموخ، ونجوف، زليخة، وشعشوع؟؟ بماذا يتمتمون؟ هل يقولون لبعضهم البعض هذا ابن ادم الذي جرح كبرياء إبنتنا …حسنا، ماذا سيفعلون بي ؟هل سيعلقونني من شعري في الفضاء؟ لا،لا، ربما سيضعونني في طنجرة كبيرة..او يحدث معي مثل ما يحدث في حكايات الف ليلة وليلة وسيسحروني على هيئة قرد او يمسخونني على هيئة كلب او حمار وربما على شكل دجاجة…!
اغمض عيني.. انام ثم استيقظ.. ثم انام ثم استيقظ والاحلام ما تزال تراودني، والكوابيس تلاحقني ثم انام واستيقظ ولا اقوى على الحراك. افتح عيوني اتفحص الغرفة، اجد امي جالسة امامي، انها نائمة على الكرسي بجانبي، يعاودني السؤال: اين انا ؟..ماذا يحدث؟ اتذكر الحديقة.. غادة ..دموع …نعم اذكر، لقد كنت في الحديقة وكانت معي غادة ،حدثتها وحدثتني، اغضبتها حزنت لذهابها ..نعم لقد تركتني ولكن اين انا…؟
زاحمت الافكار في مخيلتي، ومن وسط زحام الافكار، ظهر وجه غادة الجميل …انها غادة كما عهدتها، بنظراتها وابتساماتها الساحرة، اقتربت مني تسير بدلال وانفة، ونظرات عينيها لا تخلو من بريق الحزن والشفقة، دنت وجلست على حافة السرير بجانبي حاولت النهوض ..لم استطع الحراك ولم اقو على الكلام ..كل شيء شل في جسدي ما عدا التفكير والنظر ..انظر اليها ..ترفع يديها تمتد نحوي تميل بجسدها المتناسق وصدرها المكتنز باتجاهي، ينسدل شعرها الاسود كالشلال يتدلى على صدرها ليلامس صدري ليفصل بيننا تبعده بيدها برقة ودلال تزداد زاوية ميلها وكان بها شوق ولهفة لاحتضاني تسارعت دقات قلبي…حاولت تحريك يدي ولم افلح…يختلجني شوق دفين اتمنى ان اضمها بعنف الى صدري ولكنني لا استطيع، لا اقوى على فعل ذلك ..
.الجزء الخامس
.
اما هي فتمتد … يداها لتلامس براحتيها الناعمتين جبيني وراسي، ارتعش جسدي وسرت في عروقي رعشة يلاحقها تيار احساس غريب جميل، تمنيت ان يدوم طوال العمر، دنت بشفتيها واقتربت كانما تريد تقبيلي، جهدت في محاولات عديدة ان ارفع راسي عن الوسادة لتلثم شفتاي شفتيها الورديتين، وفرغ صبري من الانتظارلأقبلها قبل ان تقبلني لكنها لم تفعل …داعبت اناملها شعري، ومسحت براحتها حبات عرق تصببت من جبيني ونظرت في عيوني حتى فقدت قدرتي على التركيز وقالت:..
"حسن، قل غادة "..
عجزت عن الكلام ..الحت على واصرت ..حاولت ثم حاولت حتى نجحت وقلت:
غادة ..
رددت اسمها عدة مرات…شعور بالنشاط والحيوية يحثني على النهوض وشعور بالراحة والطمانينة عمل على تهدئة اعصابي..وقالت:
"حسن، الان ستنهض لتتمشى في الغرفة عدة مرات وستذهب الى المغسلة لتغسل وجهك، وستقوم باستبدال ملابسك".
كانت ترشدني وتدلني على مكان كل شيء، طلبت مني اشياء كثيرة، حتى انتصبت على قدميها واقفة وقالت:
"والان يا حسن انا مضطرة للذهاب، ولكنني ساعود باسرع وقت ممكن ..حسن، بعد قليل من الوقت ستسمع وسترى امور واشياء غريبة حدثت فلا تتفاجأ، واريد منك ان لا تفكر بها كثيرا فكر فقط بانك في صحة جيدة وانك معافى تماما …
اختفت غادة بهدوء، بدأت انفذ كل ما طلبته مني، وتحول الهدوء الى نشاط وحيوية …تاكدت انني في غرفة احد المستشفيات، ولكن ما سبب وجودي فيه، نظرت الى امي فهي لا تزال تغط في نوم عميق، ربت على كتفها …ايقظتها من نومها…فتحت عينيها، ذهلت وقفت على قدميها…خرجت مسرعة لتعود بعد ثوان بصحبة احدى الممرضات …وما ان وقعت نظرات الممرضة علي حتى استدارت وعادت مسرعة من حيث اتت لتعود بصحبة طبيب، امتلأت الغرفة بالاطباء والممرضين، وكل ما فعلته أني جلست اراقب بهدوء كل ما يجري من حولي من امور لم افهمها .
عملت على ان لا اجهد نفسي وفكري في تحليل وتفسير كل ما يجري، وها انا انتظر لأعرف. تقدم احد الاطباء وكلمني باللغة العبرية واخذ اخر يترجم لي باللغة العربية، ولم يكن هناك داع للترجمة لاني اعرف العبرية جيدا، اسئلة كثيرة وجهها إلي الطبيب، ولكن الذي طير صوابي وافقدني هدوئي بحيث لم استطع ان اتمالك نفسي من الانفعال، اني علمت من حديث الطبيب، انه مضى على مكوثي في المستشفى سبعون يوما كنت فيها في غيبوبة تامة .
صدمة قوية ..لم استطع مواجهة نفسي من هولها، وضعتني امام مخاوف الحياة، ايعقل ان اكون قد مكثت في المستشفى سبعين يوما؟ كيف هذا دون أن احس او اشعر بشيء، وكأنني مكثت يوما او بعض يوم …شعور عميق يلفه الصمت. عاصفة من الحيرة أخذت تعصف بنفسي …تذكرت غادة وتحذيراتها عندما قالت :ستسمع وسترى يا حسن امورا غريبة…نعم اليس الذي انا فيه من اغرب الامور …؟
جلس الي الطبيب شارحا ما حدث، وقال يخاطبني :
انك يا حسن سليم معافى …وجسمك خال من أي مرض عضوي …هذا ما اثبتته الاشعة والفحوصات الطبية والمخبرية غير ان ما تعرضت اليه من غيبوبة يبدو انه ناتج عن عامل نفسي…
من حديثه يظهر وكأنه لا يملك أية توضيحات علمية لعلتي…ولم يسمح لي بمغادرة المستشفى الا بعد حضور الطبيب الحيفاوي الذي اشرف على علاجي طيلة ايام غيبوبتي، وما هو الا يوم واحد حتى حضر الطبيب، وكان جل تركيزه واهتمامه ينصب حول قدرتي على التحرك والكلام…وقال لي بصراحة:
ان الاسباب التي ادت الى غيبوبتك غريبة بعض الشيء، ولكن الاغرب منها يا حسن قدرتك على الحركة والكلام بشكل طبيعي وكانه لم يحصل لك شيء .
عدت الى البيت …وبقيت اياما يحيطني بها الاقارب والاصدقاء والاهل، وعشرات الاسئلة الفضولية تنهال علي ..كيف يا حسن؟ وشو صار يا حسن؟ وانت ماشعرت يا حسن؟ الخ… وبالطبع أنا لا املك الاجابة على أي سؤال …وكل الذي فهمته ان امي وجدتني ملقى في الحديقة، فحاولت ايقاظي، وبعدها ايقظت نصف البلدة على صراخها وتم نقلي الى مستشفى عربي، وبعدها قام اهلي بتحويلي على حسابهم الى مستشفى اسرائيلي، حيث عجز الاطباء عن تشخيص حالتي وتم وضعي تحت اشراف طبي مكثف ..
امي المسكينة لم يعجبها ما قاله الاطباء عن حالتي، فقررت ان تتصرف هي بطريقتها الخاصة .
توجهت الى الفتاحين والمشعوذين، واول "دجال" توجهت اليه دفعت له الف دينار ليعطيها النتيجة التالية (عمل سحر )لابنك، وتصادف في نفس الوقت بأن اصابته عين حسود (سحر+حسد=غيبوبة) وقام باعطائها حجابا ضد الحسد، ولهذه النتيجة توجب على امي دفع مبلغ ألفي دينار اذا هي ارادت ان يستخرج لها (العمل -السحر ). ودفعت امي المسكينة المبلغ للدجال مقابل قيامه ببعض الحركات البهلوانية …واخذت امي تتنقل من دجال الى اخر حتى صرفت كل ما تملكه وكل ما استطاعت ان تستدينه من الاقارب لتدفع به لهؤلاء الدجالين الكاذبين، وكلما يئست من واحد تجد من يدلها على اخر، وهي ترتحل من جنين الى نابلس ومن نابلس الى الخليل…
والحمد لله، ان مجموع ما انفقته امي على الدجالين مضافا اليه الفاتورة التي يجب تسديدها للمستشفى، كان يتطلب منا العمل خمس سنوات حتى نقوم بتسديده. اكثر ما كان يؤلمني هو ما تسببته لأهلي من عذاب، شعرت بأني سبب شقاء هذه العائلة واني عبء عليهم، ليتني لم افق، وبقيت في غيبوبة الى الابد، او حتى مت. ماذا فعلت ليحدث لي كل هذا ؟اتذكر غادة ويعتريني شعور بالغضب عليها. فمنذ عرفتها والمصائب تحل بنا؛ واحدة تلي الاخرى، فهي سبب سهري وقلقي وعذابي، ولكني احبها، نعم ،اقدسها وبجنون، ولكن لماذا تركتني؟ لماذا تخلت عني وانا بأمس الحاجة اليها لماذا لم تات لتساعدني وهي تملك القدرة على ذلك، لماذا يا غادة …؟
وفي وسط دوامة التفكير والهم والغم وانا جالس خلف المكتب في غرفتي، ظهرت غادة وجلست امامي، وما ان رايتها حتى امتزجت مشاعر الفرح والسعادة عندي بمشاعر الغضب عليها لما حصل لي، قالت:
"مابك يا حسن ؟لم اعتد رؤيتك هكذا.."
قلت لها:
لا شيء يا غادة …
ويبدو انها قرأت شيئا من افكاري، فتلاشت ابتسامتها ولم تتكلم، ومرت دقائق من الصمت ولم تتكلم، ولم اتمالك نفسي في التعبير عن غضبي، وقلت لها :
لماذا فعلت بي كل هذا يا غادة ..؟لماذا لم تساعديني؟ لماذا تخليت عني وانا الذي احببتك، بل عبدتك ..لماذا انتظرت سبعين يوما حتى تذكرت ان تساعديني…؟
اخذت غادة تراقبني بهدوئها الواثق، بنظراتها العميقة، ولم تجب، وكان صمتها يستفزني اكثر واكثر فقلت لها:
هل تشعرين بالسعادة الان …هل نلت عقابي المناسب …
وخرجت غادة عن صمتها وقالت بنبرة غضب :
"اي احمق انت …ما ذنبي بالذي حدث لك …لماذا تصر على ايلامي دائما ؟حقا انتم بنو البشر من اضعف المخلوقات، ولكم طريقتكم الغريبة في تفسير واستيعاب الامور، ويا لبراعتكم في القاء اللوم على الاخرين …"
وبلغ غضب غادة ذروته حينما قالت :
يبدو لي انه حان الوقت لتواجه نفسك الضعيفة، هل تريد ان تعرف من الاحمق والضعيف الذي فعل بك هذا ؟ يجب ان تعرف ,انت تستحق ان تعرف الحقيقة التي لن تسرك. وبحركة سريعة ومفاجئة اقتربت مني ووضعت كلتا يديها على راسي وابهام يدها اليسرى وابهام يدها اليمنى ضغطت على جبهتي، وما ان ضغطت حتى شعرت بان حر الدنيا قد بدا يخرج من رأسي، وبصوت هادىء متقطع قالت :
"انظر في عيوني.. انظر في عيوني"..
على العموم الله يعطيك العافيه
استمري
ويعطيك العااااافية
اكيد لها تكميلها
يعطيك العافييه
الحلقة السادسة
فقدت كل قدرة على التركيز لم اشعر براسي أوجسمي، لم اعد ارى شيئا أو اشعر بشيء. أسمع بضع كلمات شبيهة بالاحلام تقول لي :
"انت الان تقترب من الحديقة ،انت الان بالحديقة "..
ارى حديقة منزلنا ..ارى شخصا ملقى على الارض …انه انا ،نعم انا، ارى نفسي ..ارى امي تحضر الى الحديقة تقترب تحاول ايقاظي ..حسن ..حسن تصرخ،تحضر اختي..يحضر الجيران..يحملوني!!! ينقلونني في سيارة…اصل المستشفى ..اطباء .. ممرضات..اجهزة..فحوصات …ارى بوضوح كل شيء حدث معي، ابتداء من وجودي في الحديقة وحتى لحظة صحوتي من الغيبوبة في المستشفى، بسرعة هائلة تمر الاحداث امامي..كل صغيرة وكبيرة تمر بسرعة .الغريب في الامر اني كنت استطيع ان اصحو في أية لحظة اريد ذلك أن يحدث وانا في المستشفى، لا، لا اريد ذلك ,وبسرعة هائلة ، بدأت اعود الى حيث بدأت، واشعر بثقل وتعب في كل انحاء جسدي، ترفع غادة يديها عن راسي لتقول لي :
"هل علمت الان ماذا حدث لك؟ ومن المسؤول عن ذلك ؟انا لم اتخل عنك بالرغم من سخافتك ولكني مهما بلغت من قوة لا استطيع ان اجعلك تفعل شيئا لا تريد انت ان تفعله.. انا آسفة…ولكن لا مفر، إذ كان لا بد من قيامك بهذه الرحلة لتعرف حقيقة نفسك".
وفجاة اختفت غادة …جسمي يرتعش …شعور غريب…كيف استطاعت غادة ان تفعل هذا ؟ما هي القوة التي تملكها ، نعم لقد استطاعت ان تعيدني الى الماضي لكي اسمع وارى كل ما حدث معي ,فذاكرة الانسان تستطيع ان تعود به الى الماضي، ولكن ليس بهذا الوضوح وهذه الدقة، لقد سمعت كل كلمة قيلت، وكل من كان قريبا مني اتذكره …حتى اصغر الاشياء التي لا تستطيع الذاكرة ان تسجلها …رايتها بوضوح …نظرت الى ساعتي وكانت تشير الى الثالثة صباحا ..كم استمرت هذه التجربة..ساعة..ساعتين ..ثلاث ساعات ..كيف حدث واستطعت ان اعيد تفاصيل احداث سبعين يوما. اكثر ما كان يخيفني مما حدث، هو انني كنت ارى نفسي على بعد امتار وكاني "اتفرج" على شخص اخر! …هل في داخل الانسان قوة تتحكم فيه ولا يستطيع هو فهمها؟…وذاكرة الانسان تدون فقط الاشياء التي يتذكرها …ولكن هل بالفعل نحن لا نتحكم بتصرفاتنا ؟يا غادة كم انا ضعيف امامك …كم مرة اخطأت بحقك وكم اسأت اليك…وكم كانت تصرفاتي سخيفة تجاهك يا غادة …!
" بعرف انك سخيف"
غادة هل عدت ؟
"انا لم اذهب يا حسن حتى اعود ، بقيت معك بالغرفة، لم استطع ان اتركك حتى أطمئن على انك عدت الى وعيك الطبيعي… لأن من يعود منكم الى الماضي احيانا لا يستطيع العودة منه، وانما يعيش فيه وهذا ما تسمونه انتم البشر جنونا.
ضحكت وقالت :
"وانت مجنون من دار اهلك …ومش ناقصك اللي (يجننك)".
غادة قولي لي، كيف فعلت هذا؟ وكيف استطعت اعادتي الى الماضي؟ ولماذا لم اكن اتذكر كل هذه الاشياء وحدي؟…
حسن لا داعي لارهاق تفكيرك، كفاك ما عرفت اليوم، ويجب ان اغادر …
غادة ارجوك فقط اجيبي على هذا السؤال .
"حسن …"
غادة …ارجوك .
"حسن، كل انسان سليم العقل يستطيع العودة الى الماضي متى شاء، الماضي الذي كان موجودا فيه فقط الماضي الذي كان يدركه ,فكل الاصوات التي سمعها والصور التي راها يستطيع العودة اليها ولكنكم حتى الان لم تستطيعوا اكتشاف الطريق الصحيح الى ذلك وربما يكون ذلك افضل لكم، فالمئات منكم استطاعوا العودة الى الماضي، وحين وصلوا الى موقف مميز توقفوا عنده لحاجتهم اليه".
غادة …اذا كانت لدى الانسان القدرة للعودة الى الماضي فهل لديه القدرة للذهاب الى المستقبل…؟
ووقفت غادة وهي تضحك وتشير بيدها نحوي :..
"روح يا حبيبي نام احسنلك وسنكمل حديثنا بالغد واختفت من جديد…"
ومع اختفائها توشح الافق بخيوط الشفق الاحمر معلنا بزوغ الصباح .القيت بنفسي على الفراش لاغط في نوم عميق هادىء، لم اصح منه الا في ساعات الظهيرة، بعد الحاح واصرار من امي على ان استيقظ واستعيد نشاطي وحيويتي لاجلس مع قريباتها اللواتي قدمن لزيارتنا لتقديم التهاني بسلامتي وخروجي من المستشفى، غسلت وجهي واستبدلت ملابسي، وخرجت لاسلم على قريباتي جلست معهن ما يزيد عن ساعتين، بدأ الحديث بالسؤال عن صحتي، وانتهى بآخر اخبار فلانة وعلانة…وبصراحة أقول أن الذي جعلني اجلس معهن كل هذا الوقت الطويل الذي كان بامكاني اختصاره -هو ان خالة امي "ام محمد"، والتي لم ارها الا مرتين في حياتي، بدات تروي لنا بعض القصص عن "الجن "القصة تلو الاخرى ومع ان حديثها عن الجن لم يكن يخلو من السذاجة، الا ان حديثها كان شيقا، وكان ذلك الحديث هو الذي دفعني الى الخوض معها في نقاش كنت متاكدا من سخفه حول الجن وامور الجن وهل يتزوج الجن، وكيف يحب الجن،…؟ وجهت لها اسئلة عديدة اربكت من كان موجودا ، اصبحت الجلسة مملة.استأذنت وتوجهت الى المطبخ حيث كانت امي وقالت لي :
"اتلاحظ يا حسن انك مهتم بامور الجن اكثر من اللازم…شو القصة ؟".
فقلت لها :
كلا يا امي فقط اردت ان اجامل خالتك "ام محمد"وقصصها الغريبة …
يبدو ان حاسة امي الغريزية جعلتها تشك في بعض تصرفاتي…وان شكت امي بشيء فانها لا تجعله يمر مر الكرام…انقضت الساعات ، الساعة بعد الساعة، تجاوز الوقت منتصف الليل وانا اسير من الغرفة الى الصالة ومن الصالة الى المطبخ …وبعد ان نام كل من في البيت ,جلست قليلا في الصالة، احسست باحساس قوي جدا ان غادة الان قريبة مني وانها حتى داخل الغرفة…ركضت مسرعا باتجاه غرفتي وكأني اريد ان اختصر تلك المسافة القصيرة جدا …وما ان وصلت الى غرفتي حتى وقفت بجانب الباب والسعادة تغمرني، وقلبي يكاد يقفز من مكانه من شدة الفرح، تقف غادة متكأة على حافة النافذة المطلة على الشرق …تنظر عبرها نحو الفضاء بطمأنينة وهدوء، وعلى ثوبها الابيض تناثر شعرها الاسود الطويل وكان نور القمر يتسلل عبر زجاج النافذة، مما جعلها تبدو وكانها لوحة غاية في الجمال، ثبتت على الحائط المظلم وسلط عليها ضوء كشاف مثبت في الفضاء..