رأيته أمامي واقفا يتحدث وصديق لي يحاوره ويسأله: ألم ترتكب كذا قط؟ ألم تمتد يدك لفعل كذا قط؟ ولاحتى نظرة "بريئة"! وهو يجيب إجابة الواثق متعجبا:
الحمد لله، كلا لم يحدث، ويضيف متعجبا كيف تكون اللذة في معصية الله ؟!
ظننته في بادئ الأمر يكذب أو يداري أو يريد أن يتفاخر علينا، ولكني لمحت في وجهه أمارات الصدق، ورأيت من تربيته في بيته وحرصه على الطاعة، وحرص أبويه ما جعلني أرجح صدقه.
حينها التفت إلى معنى جديد دفعني هذا الحوار إلى تأمله، فقد كنا وما زلنا في مجتمعاتنا نحرص على عرض المرأة وشرفها، ونفرق بين العفيفة الشريفة وغيرها، ولكن لم يخطر ببالي قط أن تقع عيني على شاب عفيف في سعار الشهوة بين الشباب الباحثين عن وسيلة لتصريفها ب"أقل الأضرار" كما يدعون، أو بما هو أشنع كحال الذين يعيثون في الأرض فسادا.
لكن ها هو الآن ماثل أمام عيني يضحك ويتحدث ويعيش حياة طبيعية ظاهرها كباطنها بوجه واحد لا بوجهين، وقد دفعني هذا الموقف إلى أن تثور في ذهني تساؤلات عدة دفعني إليها تأمل تاج الوقار على رؤوس المتعففين، ذلك التاج الذي لا يراه إلا من هتك ستر عفته واعتدى على حد ربه،
أيمكن لمن هتك ستر عفته أن يستعيده من جديد؟
هل يعقل أن يتحول من ولغ في أشكال المعصية وألوانها وأضحى خبيرا فيها وعمر فيها زمنا .. أن يتحول إلى عفيف طاهر شديد الحياء؟
وانطلق عقلي يؤكد استحالة ذلك، فما تم كسره لا يمكن إصلاحه! ومن فتح عينه ليس كمن أغمضها.. لكن حانت مني التفاتة سريعة إلى مشهدين رئيسيين:
الأول: صور لأشخاص من الماضي والحاضر .. أسماء رنانة لفنانين وفنانات وممثلين وممثلات، بل ونماذج أخرى ممن حولنا ممن نعرف منهم شدة الولوغ فيما حرم الله …
وفجأة تجد من يأتي ليخبرك بلبس فلانة للحجاب، والتزام الآخر بالصلاة، فتبادر غير مصدق لرؤيتهم والتأكد، فترى عجبا: هذه التي بذلت عمرها تتكشف بجسدها وتتفنن في إبراز مفاتنها هي اليوم قد ارتدت هذا الثوب الواسع الفضفاض، ولا تملك نفسها من أن تمد يدها كل دقيقة إلى حجابها ليس لتتأكد من بقاء الخصلة الأمامية من شعرها ظاهرة، بل لتتأكد من إحكام حجابها، وأخرى صوتها كان يسبق مرآها إذا به ينخفض إلى درجة احتياج المحاور لللاستفهام عن ما تقول!
وفي ذات الوقت صور من الماضي للصحابة والتابعين التائبين الراجعين إلى الله تعالى، وقد كانوا يرتكبون عظيم المعاصي ثم إذا بهم ينقلبون آية في الحياء والعفة، وما قصة الغامدية عنا ببعيد.
الثاني: تأملت في حال البشر فرأيت للكل أماني وأحلام، ورأيت كذلك عزما وهمة،
فمن البشر من حلمه عظيم وهمته ضعيفة فيظل يحلم حتى يموت، ومنهم من حلمه ضئيل أو دنيء وهو يسعى حثيثا لتحصيله ومنهم .. ومنهم…
ولكن لا أحد يمنع أحدا من الحلم بما شاء،لكن تبقى همة المرء هي الحكم الفصل في تحصيل حلمه – بعد إرادة الله تعالى وتوفيقه.
ثم عدت فتأملت في خطاب عقلي وهو يمنعني من المحاولة ويفقدني الأمل في التجربة, فوجدته يبحث عن مصلحته ويسعى لتحصيل راحته العاجلة؛ لعدم رغبته في بذل الجهد والمحاولة،
ثم أعدت التأمل فرأيت الحياة لا قيمة لها بدون المحاولة والتجربة وأن تحلم وتسعى لتحقيق حلمك،
ثم تأملت ثالثة فرأيت المحاولات وإن كثرت والفشل وإن تكرر، فهو الطريق للنجاح، والله -سبحانه وتعالى- رتب الأجر على المحاولة ابتداء ما دامت بإصرار ومثابرة وصدق:
"ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله" …
ثم تأملت أخيرا فإذا معامل القوة والضعف الحقيقي بداخلي، لا من الخارج وأن المسألة كلها تتعلق بالإجابة الصادقة على السؤال:
هل أريد أن أتغير؟!ولما كانت الإجابة نعم،، اندفع سؤال ثان يبحث عن إجابة وهو: كيف يمكن لمن ولغ في المعاصي وهتك ستر عفته أن يستعيد ما تم كسره ؟؟؟ ,,,,
" ما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء" بهذا الحديث النبوي الشريف يفتتح العلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله كتابه المبارك ‘الداء والدواء’ أو ‘الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي’
مؤصلا لقاعدة جلية ومبينا لمسلك المسلم تجاه المواقف والأحداث وكذا المشاكل والعقبات، ونحن نعلم أن القلوب تمرض أمراضا معنوية كالنفاق وحب المعصية تماما مثلما تمرض أمراضا حسية، والله الرحيم، جعل الداء والدواء،
إذن فأين تكمن المشكلة؟
إنها تكمن في أحد أمرين:
الأول: عدم رؤية الحل واليأس من العثور عليه فندفع إلى الحلول الوهمية الخاطئة.
الثاني: رؤية حلول غير صحيحة وغير ناجحة في إنهاء الأزمة متصورين أنها الحق.
وفي ظل هذا التصور يمكننا هنا أن نفهم الشق الثاني من الحديث النبوي المذكور في أول المقال وهو ‘ما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء .. علمه من علمه وجهله من جهله ..’.
وإذا كان السبب الأول في تطور الأزمات وتفاقمها وهو عدم رؤية الحل، واليأس من العثور عليه أو اليأس من إمكانية تحقيقه يظهر بوضوح في أزمة الشهوة لدى الشباب التي يتمحور أصل خطاب الشيطان للشباب فيها, على استحالة احتمال الزواج ومشقته, مزينا لهم حلولا أخرى مؤقتة ولكنها مدمرة.
فالسؤال الذي نحاول الإجابة عليه، هل لمن هتك ستر الحياء أن يستعيده من جديد؟ وإن أمكن فكيف؟
كيف؟ كيف يمكن لمن ولغ في المعاصي وهتك ستر عفته أن يستعيد ما تم كسره ويعيد إصلاحه؟
منقول بتصرف، مع الإعتذار لصاحب الموضوع ..
وتقبلوا هديتنا المتواضعة، النشيد المميز: هذب فؤادك بالحياء ،، للمتألق سمير البشيري،
http://www.albashiri.net/works/audio/alhayt.ram