تخطى إلى المحتوى

الكلمة . بين الحرية والمسؤولية ؟؟ 2024

الكلمة … بين الحرية والمسؤولية ؟؟
{ ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء * تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون * ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار } ..
حكي أن رجلا أتى ابن سيرين فقال: رأيت كأن ثورا عظيما خرج من جحر صغير فتعجبنا منه ، ثم إن الثور أراد أن يعود إلى ذلك الجحر فلم يقدر وضاق عليه. فقال : هي الكلمة العظيمة تخرج من فم الرجل يريد أن يردها فلا يستطيع . وهيهات …؟!!
و ما من كاتب إلا ستبقى .. كتابته و إن فنيت يداه
فلا تكتب بكفك غير شيء .. يسرك في القيامة أن تراه
** الحرية :
مفهوم الحرية ….
يقصد بالحرية : قدرة الإنسان على فعل الشيء أو تركه بإرادته الذاتية وهي ملكة خاصة يتمتع بها كل إنسان عاقل ويصدر بها أفعاله بعيدا عن سيطرة الآخرين لأنه ليس مملوكا لأحد لا في نفسه ولا في بلده ولا في قومه ولا في أمته .
[ حرية التعبير – حرية الألفاظ – حرية الموضوع – حرية التضليل والتلبيس ]
وحرية الرأي: هو حرية التعبير عن الأفكار والتصورات فالناس بحاجة للمناقشات لتبادل الآراء حتى يتمكنوا من التواصل والتوصل إلى قرارات مبنية على المعرفة في شؤون حياتهم السياسية والاجتماعية وغيرها .. وتأخذ حرية الرأي بعض الصور منها: أسلوب المناقشة وأدب الحوار وطريقة اتخاذ القرار ومهارات الاستماع والمناقشة ، واحترام الرأي الآخر ( معارضا أو ممثلا وجهة نظر مختلفة أو مضادة ) والتعبير عن الرأي وفق معايير محددة ..
هل ( الحرية ) تعني الانفلات المطلق من كل قيد ؟؟ فيحق لك أن تعبر بما شئت وكيف شئت ولو بألفاظ ساقطة ومنحلة أخلاقيا وقيميا .. هل الحرية تعني طرح أي موضوع والتعبير عنه ولو كان فيه إساءة للدين أو تضليل أو تشكيك الآخرين والتلبيس عليهم .. هل الحرية تعني الغش والكذب والخداع ؟؟!
لا يعني بطبيعة الحال إقرار الإسلام للحرية أنه أطلقها من كل قيد وضابط لأن الحرية بهذا الشكل أقرب ما تكون إلى الفوضى التي يثيرها الهوى والشهوة وانتهاك الحقوق ومن المعلوم أن الهوى يدمر الإنسان أكثر مما يبنيه ولذلك منع من اتباعه . { فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين } ..
والإسلام ينظر إلى الإنسان على أنه مدني بطبعه يعيش بين كثير من بني جنسه فلم يقر لأحد بحرية دون آخر ولكنه أعطى كل واحد منهم حريته كيفما كان سواء كان فردا أو جماعة ولذلك وضع قيودا ضرورية تضمن حرية الجميع وتتمثل الضوابط التي وضعها الإسلام وفق الآتي :
أ- ألا تؤدي حرية الفرد أو الجماعة إلى معارضة أو نبذ قواعد الشريعة الإسلامية أو الاستهزاء بها أو تهديد سلامة النظام العام وتقويض أركانه . { ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم } ..
ب- ألا تفوت حقوقا أو مصالح أعم منها وذلك بالنظر إلى قيمتها في ذاتها ورتبتها ونتائجها .
ج – ألا تؤدي الحرية إلى الإضرار بحرية الآخرين والاعتداء عليهم أو حتى إضرار الإنسان بنفسه دينيا ودنيويا ( لا ضرر ولا ضرار ) ..
د – الوسطية والاعتدال .. ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) ..
وبهذه الضوابط ندرك أن الإسلام لم يقر الحرية المطلقة لفرد على حساب الجماعة كما لم يثبتها للجماعة على حساب الفرد .. أو على حساب القيم والأخلاق ولكنه وازن بينهما فأعطى كل شيء قدره .. وأجاز الإسلام للإنسان أن يقلب نظره في صفحات الكون المليئة بالحقائق المتنوعة والظواهر المختلفة ويحاول تجربتها بعقله واستخدامها لمصلحته مع بني جنسه لأن كل ما في الكون مسخر للإنسان يستطيع أن يستخدمه عن طريق معرفة طبيعته ومدى قابليته للتفاعل والتأثير ولا يتأتى ذلك إلا بالنظر وطول التفكير … ولقد جاء الإسلام بأعظم وأرقى حرية على وجه البشرية حيث جعل العبودية والتوحيد والانقياد لله وحده .. فالعبادة تحرر المؤمن من الخضوع لغير الله تعالى ومن الاستسلام للآلهة المزيفة فيصبح بذلك حرا طليقا من رق العباد وسلطان الهوى إلا سلطان الله تعالى .. لذلك شملت الحرية في الإسلام الإنسان وكرامته لكونه مسؤولا عن أفعاله أمام الله مستهدفا بذلك حماية النفس والمال والعرض والكرامة الإنسانية بشكل متوازن في الحياة ..
( فالحرية في الإسلام لا تعني التفلت من المسؤولية .. وحرية القول لا تعني حرية السب والشتم والإساءة .. وحرية الفكر لا تعني حرية الكفر والإلحاد والهدم ) .. وإنما تعني البناء والعطاء والنماء ..
** المسؤولية :
[ المسؤولية أمام الله .. المسؤولية أمام النفس والضمير .. المسؤولية أمام المجتمع ] ..
والكلمة تشمل :
المكتوبة – والمقولة – والمسموعة ..
نثرا أو شعرا أو مقالا أو تأليفا ..
وإن القلم أحد اللسانين ؟!
وعلى قدر إيمان المرء وتعظيمه لله سبحانه وتعالى تكون المسؤولية .. وكلما ازداد الإيمان في قلبه تضاعفت المسؤولية أمام الله .. فاستشعار مراقبة الخالق سبحانه يقود للمحاسبة والمراقبة لكل ما يصدر عن الإنسان قولا وعملا واعتقادا ..
{يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون } ..
{الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون } ..
{إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير } ..
ولذا جاء في الحديث : { من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت } .. جاء ميزان الصمت أوالكلام مرتبطا بالإيمان بالله ثم باليوم الآخر أيضا الذي يعطي مدلول المحاسبة والمؤاخذة على الكلمة بل على كل شيء فإما أن تقول الذي هو خير وإلا فالصمت دواء .. قال تعلى : { كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا } .. { ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد } .. { والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب } ..
وجاء في الحديث : { إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا، يرفعه الله بها درجات ، وان العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها سبعين خريفا في جهنم } .. أو كما قال عليه الصلاة والسلام ..
نعم أيها الكرام قد يكتب الإنسان ويتكلم ويعبر بما شاء في الدنيا ودون قيد أو شرط أو حسيب أو رقيب أو وازع من إيمان وقد ينسى هو نفسه ما كتب أو قال في يوما ما وما خطته يداه .. لكن الخالق العظيم لا ينسى مطلقا ..؟! { ولا ينبئك مثل خبير } واستمع بتدبر إلى قوله :
{ قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى } ..
{ يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد } ..
ثم تأتي مخاطبة الضمير ومسؤوليته عن الكلمة فيقول سبحانه :
{ لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير } ..
{ قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السماوات وما في الأرض والله على كل شيء قدير } ..
{ تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب } ..
{ واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه } ..
{ واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه } ..
{ قل إن الأمر كله لله يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور } ..
{يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور } ..
وقد جاء في الحديث : ( والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس ) ..
وبواطن الناس وضمائرهم لا يعلمها إلا الله تعالى ولذلك قال النبي الكريم عليه الصلاة والسلام مبينا ومفرقا بين الظاهر والباطن وبين ظاهر القول وحقيقة الضمير : ( إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان ) ..
:36_1_37: أي أن هذا المنافق يملك قدرة فائقة على التعبير والبيان والتضليل والتلاعب بالألفاظ والمقال مما يغرر به الناس ويخدعهم وهم لا يشعرون .. ولذا تخوف النبي الكريم على أمته من الانسياق أمام بريق الكلمة وسحر البيان المضلل .. خذ مثلا بعض القضايا التي يثار حولها الجدل نحو : حقوق المرأة – حرية المرأة – والحرية الدينية – الحرية الشخصية – وحرية الكلمة – حقوق الإنسان – مساواة الرجل والمرأة – حرية الثقافة .. وهلم جرا ..
فالإيمان بالله يخلق في قلب المؤمن ضميرا حيا صافيا نقيا صادقا يقدر مسؤولية الكلمة ويرعى حقها ومصلحتها بخلاف غيره من الناس الذي هو سيء الطوية أو ميت الضمير أو معدوم الضمير أصلا ..
قال تعالى : { ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام * وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد } ..
{ وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم .. } ..
لذا جاء الإسلام بأسس ومعايير يتحتم علينا السير وفقا لها وهي ليست أسسا ومعايير وضعية وإنما وحي يوحى على هيئة أوامر ونواه ومباحات ومحظورات فمن أطاع الله أثابه وأكرم مثواه ومن عصاه عاقبه وأخزاه ..
وتكتمل المسؤولية عندما يدرك الإنسان تبعات الكلمة وآثاره ونتائجها في المجتمع وتكوين الرأي والتصور العام ..
يقول تعالى : { إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم } ..
{ إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم } ..
{ وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون } ..
{ .. قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد } ..
{ .. يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين } ..
{ لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا }..
فصاحب العقل الرشيد والإيمان الحق هو الذي يسعى في صلاح وإصلاح المجتمع بالكلمة الواعية والمسؤولة أمام الله وهو الحريص على المصلحة العامة ووحدة المجتمع وترابطه وتماسكه .. يقول تعالى :
{ إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب } ..
{ ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين } ..
{ وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون } ..
اللهم اجعلنا منهم .. وأستغفر الله عما سلف وكان من الذنوب والعصيان ..
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ..

تسلمين يالغاليه على الموضوع المتميز ………….. اتشرف اني اكون اول مشاركة مني في الموضوع………….
هلا والله فيك نورتي الصفحه بمرورك الطيب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.