وفي مصر تتمتع المرأة اليوم بإنجاز طويل من الجهد الفكري للمشايخ والمفكرين ورائدات العمل الاجتماعي من السيدة هدي شعراوي وحتي السيدة سوزان مبارك, فهذا الفعل التراكمي لوضع صورة عصرية لدور المرأة في الخيال العربي, نجح الي حد كبير في تحطيم الصورة النمطية للمرأة وعاء للإنجاب في اغلب الاحوال, او يمامة رومانسية تحفز علي الابداع والالهام في احسن الاحوال.
ومن رصدي لبنات اليوم في المحيط الاجتماعي الخاص بي أجدهن بالفعل افضل الكائنات, فيتمتعن بقوة الشخصية التي يتمناها كل عاقل في ابنته وأمه وزوجته وأخته, فهن يرفضن إلا ان يتعاملن بالصفة الانسانية الكاملة, التي تعرف واجباتها قبل حقوقها, ويتمسكن بهويتهن ومعتقداتهن مهما حاولت العولمة ان تفلتها من بين أياديهن..
احس بالتفاؤل العميق عندما أجدهن علي وعي عميق بطبيعة انتمائهن لأسرهن ومجتمعهن وطنهن وانسانيتهن, فكل انتماء من هذه الانتماءات يكمل الآخر, ولا يتعارض معه, فبين هؤلاء القوارير يكمن المستقبل, ويزدهر الحاضر, فثمرة الجهد التاريخي لتحرير المجتمع من قمع المرأة وتهميشها, تظهر عليهن تفوقا علميا, وتميزا فنيا وأدبيا ورقيا دينيا أخلاقيا, وذوقا جماليا مهذبا, هذا غيض من فيض مما ألمسه في بنات اليوم اللاتي رغم التحولات الاجتماعية وضغوطها الاقتصادية التي اول ما تقع بوطأتها تقع علي المرأة, فإن التفاؤل الذكي يتحرر من هذه الاشكاليات ليرسم خريطة للطريق الذي يصررن علي ألا يحدن عنه وهو طريق الأمل والانجاز والتطور بناء علي العلم والثقافة والاخلاق لا غير.
فلا شك أن المرأة في بلدنا مازالت تعاني من بقايا جاهلية تمس مكانتها وقدرتها علي تأدية دورها, فأسوأ ما تتعرض له المرأة هو التحرش ذو الأوجه القبيحة المتعددة, فهو تحرش نفسي, وربما أخطرها هذا الأخير فله مستويات متعددة وليس ظاهرا واضحا برغم ماله من سوءات قبيحة!
ولا أنكر سعادتي عندما أري الجهر بالسوء وتمتع النساء بقوة الشخصية والثقة بالنفس في مواجهة المتحرشين الأغبياء, الذين نالوا حماية المجتمع بلوم الضحية واضطهادها في أخطر جريمة اجتماعية جماعية, مما يضطر المرأة ان تعض علي ذلها وتتجرع الإهانة علي يد جماعتها مثلهم مثل هذا الذئب المنحط, الذي يدرك جيدا الحماية الخرقاء التي يتمتع بها, فيتجرأ علي التمتع بالتحرش المريض بالنساء, والحقيقة أن النساء كانت لا تعدم الوسيلة في الانتقام من هذا المتحرش الخبيث بطرق أكثر خبثا, وتبدأ من استخدام الدبابيس المؤلمة في وسائل المواصلات, إلي قطع الألسنة, كما فعلت إحدي القرويات التي ضاقت من مطاردة أحدهم وكان لا يكف عن التقول الكاذب عنها!
لكن الآن ثارت المرأة علي الظلم الاجتماعي, واجهت الجميع أولا بالاعتراف بوجود هذا التحرش, ثم إصرارها علي فضحه حتي ينحسر, والتحرش ظاهرة موجودة في كل المجتمعات دون استثناء, ولكن التعامل معه ومواجهته تختلف من مجتمع لآخر, حسب النضج الاجتماعي, ويؤسفني أن ندعي اننا مجتمع متدين وأخلاقي ولا نوقع اقصي العقوبات بهذه الجريمة المنحطة, التي تبدأ من الكلمات البذيئة الي الاغتصاب المتوحش فلابد من مساندة المرأة التي اعلنت انه لا سكوت بعد اليوم واجهت الجميع وانقذت نفسها بالصوت الحياني!
. أما التحرش النفسي ما زالت المرأة تعاني منه رغم ما أنجزته في الداخل والخارج من نيل حقوقها التي هي في النهاية حقوق للمجتمع, فالتحرش النفسي شخصي وموضوعي, فالجانب الشخصي يتصل بالشكل والمضمون النسائي أما الموضوعي فيتصل بالتحديات السياسية والاقتصادية والدولية التي تهمها كما تهم الرجل إن لم يكن اكثر, لاعتقادي ان المرأة هي اساس المجتمع وقاعدته, وهي الفاعل الرئيسي في توجيه الاحداث وقت السلم والحرب وفي زمن الجزر والمد وفي كل مجتمع منغلق أو منفتح, ومتخلف أو متطور, فللمرأة ادوار متعددة في …
تقبلي مروري