هل يتحول الزيتون برتقالا ؟ 2024

الجيريا

الجيريا

ربما يبدو عنوان المقال مضحكا، إذ أننا جميعنا ندرك أن البرتقال برتقال والزيتون زيتون!
وعصير البرتقال عصير منعش نستمتع بشربه باردا، بينما عصير الزيتون يصبح زيتا ولا نستطيع شربه بل نستخدمه بالأكل…

هل جربتم أن تزرعوا بذر زيتون ثم بقوة إرادتكم وإصراركم تحولوه برتقالا؟
بلا شك يبدو ذلك مضحكا، إذ أن القوة والإرادة لا علاقة لها بنوعية البذرة، ربما تفيد بجودة الثمرة وبصحة الشجرة، لكنها أبدا لن تحول نوع الثمرة لتصبح ثمرة أخرى غير التي زرعناها!
كذلك التربية، أطفالنا يولدون، وتولد معهم طباعهم، نحن نستطيع أن نساعدهم ليكونوا أفضل بالتأكيد، لكننا لا نتمكن من تحويلهم عن طبيعتهم لطبيعة أخرى..

بعض الأهالي يحسبون أن هذه مهمتهم، فيبذلون المزيد من الوقت لكبت نشاط طفل حيوي، وإقناعه بأنه يجب أن يصبح عاقلا لا يتحرك دون داع!
ويكبر الطفل ليتحكموا بميوله ورغباته بدراسته أيضا، فالأب يطمح أن يصبح ابنه محاميا، وربما الأم تتمناه مهندسا أو طبيبا.. وقد يتفق الأبوان ويرسمان له خط مستقبله، والمصيبة لو لم يحالفه الحظ وتوافق طباعه التخصص الذي اختير له!! وقتها يشعر بالذنب الشديد، ويشعر الأهل بالفشل لعجزهم بتربية ولدهم كما طالما كانوا يحلمون!!

المهم أن تركزوا على فهم طبيعة أولادكم، وتساعدوهم ليكونوا الأفضل لكن بما يناسب طبيعتهم..

الجيريا

لا تحاولوا تغييرهم، ولا كسرهم.. اهتموا بمشاعرهم، وازرعوا الإيمان في قلوبهم، وراقبوهم وهم ينضجون أمامكم، ثم وجهوهم للصواب وثقوا بقدراتهم..

مثال

هانية طفلة ذكية جدا وتحمل كما هائل من المشاعر، أهلها كانوا يحسبون المشاعر ضعفا.. بالغوا بكبت مشاعرها، وإشعارها بان العاطفة ضعف، وطالبوها بالمنطق مع كل فعل وبأن تلغي تماما صوت قلبها. كبرت الآن وصارت عقلانية كما أرادوا لها، لكنها فقدت لمعان عيونها، وذلك التوثب والإبداع الذي كان يصاحب أعمالها.. وبين فترة وأخرى كانت تخذلها نوبات فزع تتمرد عليها فتتعبها!

فريد كان طفلا عبقريا لكن مشكلته أنه أتى بعد أخ اجتماعي يجيد كسب الآخرين والتودد إليهم، وهو يميل لكتبه ولقراءاته، مقارناته الدائمة بأخيه قتلت لديه الجانب الرائع بشخصيته وأفرزت منه طفلا عدوانيا يعجز عن كسب من حوله ويشعر بالغضب لذلك!

لينا كانت شاعرة تجيد الرسم أيضا، لكنها تكره عالم الأرقام، كبرت ووالدها يصر على أن تحقق حلمه وتصبح طبيبة.. زرع حلمه بداخله منذ وعت على الدنيا، وآلمتها مشاعر الذنب لعجزها عن تحصيل ما يؤهلها لتحقيق حلم والدها!

وهكذا بكل بيت نجد أطرا مسبقة أعدت لأطفال اجبروا على أن يكونوا على مقاسها! سواء ناسبتهم أم أتعبتهم! كانت هم أم كانت مجرد أحلام غير واقعية نسجها الآباء وأجبروا أبنائهم أن يكونوها..

قد تكون أحلاما تساعدهم ليكونوا الأفضل، وقد تكون مجرد ردات فعل لواقع أتعبهم، فأم عانت من زوجها وأهله قد تقسو على أولادها كي لا يصبحون مثلهم! وأب أحبط من واقع زوجته يرسم لابنته واقعا يخالفه ويمكنه التحكم به!

تذكروا أن وظيفتكم ليست أن ترسموا لأولادكم حياتهم، بل أن تعلموهم كيف يبدعون ليخرجون أفضل ما حباهم الله به، ما يدريكم لعلهم يفوقون كل توقعاتكم ويكونون شيئا مبدعا بحق، كيف لا ونحن نرى جيل اليوم كيف يسعى لأن يحقق ما عجز الكثير من الكبار عنه!

فقط ركزوا على أن تعطوهم أسلحتهم التي سيواجهون بها الحياة، سلحوهم بالإيمان، وبمراقبة الله، وبالسعي لرضاه.. كي يغلقوا منافذ الفتن والشيطان، ويساهموا بحضارة تعلي الإنسان وتعينه ليحقق الأمانة التي استخلفه الله بها على الأرض!
منقول للآهمية

الجيريا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.